شهدت التعاملات المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية، تطوراً كبيراً خلال العقدين الماضيين، ما يؤكده نمو حجم التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية بشكل ملحوظ، بما في ذلك الطلب على المنتجات المصرفية الإسلامية الأخرى والمنتجات الاستثمارية، حيث على سبيل المثال، يشكل حجم التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية في السوق السعودية، الذي تمنحه المصارف السعودية للقطاع الخاص نحو 60 في المائة من إجمالي حجم التمويل، أو ما يساوي نحو 456 مليار ريال وذلك بنهاية شهر حزيران (يونيو) من العام الجاري، وبالنسبة للصناديق الاستثمارية فتبلغ نسبة الأموال المستثمرة في تلك الصناديق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أكثر من 77 في المائة من إجمالي قيمة الأموال المستثمرة في الصناديق.
إدراكاً لأهمية المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، توسعت كافة البنوك العاملة في السعودية في تقديم خدمات مصرفية تتفق مع الشريعة الإسلامية، بتشجيع ودعم من مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وبما يلبي احتياجات العملاء لهذا النوع من الخدمات المصرفية، حيث تقدم بعض المصارف خدماتها ومنتجاتها الإسلامية من خلال الفروع تخصصت وتحولت بالكامل لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية، في حين يقدمها البعض الآخر من خلال وحدات محددة.
عوامل نجاح المصرفية الإسلامية في المملكة العربية السعودية عديدة، من أهمها الالتزام الشرعي المرتبط بهيكلة المنتجات وتصميمها، والتطبيق الحرفي للأحكام والشروط الشرعية عند التنفيذ، والمصداقية ووجود هيئات شرعية متخصصة في المصرفية الإسلامية، تراقب وتشرف على أعمال المصارف السعودية، إضافة إلى اتباع أسلوب تحول وتطبيق متدرج ومتأن ومدروس.
من بين أهم عوامل النجاح أيضاً، الدور الرقابي والإشرافي والتنظيمي، الذي تمارسه مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، على الأنشطة المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بنفس الأسس والمعايير التي تطبق على الأعمال المصرفية التجارية التقليدية، وبالذات فيما يتعلق بمعايير كفاية رأس المال ومتطلبات السيولة. كما قد قامت (ساما) بالتعاون مع المصارف والمؤسسات المالية في السعودية، بترسيخ معايير الرقابة الدولية على المصارف مثل معايير (بازل 2)، وكذلك المعايير التي أعدها مجلس الخدمات المالية الإسلامية لإدارة المخاطر وحوكمة الشركات والرقابة الداخلية، مما أسهم بشكل كبير في نجاح جهود المصرفية الإسلامية في السعودية، وجعلها محل إشادة العالمين الإسلامي والغربي على حد سواء، الأمر الذي تؤكده نتائج الاستطلاع الأخير الذي صدر عن مجلة ''ذا بانكر''، والذي حمل عنوان أفضل 500 مؤسسة مالية إسلامية على مستوى العالم، ونشر بالاشتراك مع مؤسسة ''إتش إس بي سي. ووحدة أمانة''، على وجود 47 مؤسسة مالية سعودية من ضمن أكبر 500 مؤسسة عالمية، تتعامل وفقاً للشريعة الإسلامية في عام 2009، كما كشف الاستطلاع أن ستة بنوك سعودية صنفت من ضمن قائمة أكبر 25 مؤسسة مصرفية على مستوى العالم، وتمكنت من تحقيق قفزات كبيرة في سلم الترتيب العالمي للبنوك الإسلامية، حيث قد ساهم رجال الأعمال السعوديون من خلال تداولاتهم وأعمالهم في جعل السعودية تحل في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث حجم الأصول الإسلامية، التي بلغت قيمتها 127.8 مليار دولار أمريكي في عام 2009.
وفي مجال دعم الجهود المرتبطة بتدريب وتأهيل الكوادر البشرية العاملة في مجال المصرفية الإسلامية، قام المعهد المصرفي التابع لمؤسسة النقد العربي السعودي (IOB)، بتقديم برامج ودورات وندوات متعددة في مجال تطوير المنتجات الإسلامية وتسويقها والإشراف عليها، حيث بلغ عدد المصرفيين الذين استفادوا من تلك البرامج أكثرمن 8366 مشاركا في 541 برنامجا خلال الأعوام الماضية. وهذه الجهود ساعدت على تطوير المصرفية الإسلامية في المملكة بشكل كبير دون التفريط بطبيعة الحال بالالتزام الشرعي أو المرونة الفنية التي تحتاج إليه سوق المصرفية الإسلامية في السعودية.
على الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققتها المصرفية الإسلامية في السعودية، إلا أنها كغيرها من الأعمال، فهي تواجه بالعديد من التحديات، من بين أهمها إيجاد فرص جديدة ومتنوعة للنمو، وابتكار أدوات ومنتجات جديدة، وتعزيز قدرات مواردها البشرية في جميع المجالات، ولاسيما في مجال إدارة المخاطر والسيولة Risk & Liquidity Management.
0 مشاركات:
إرسال تعليق