لماذا نلزم القضاة بالدوام اليومي؟!
أوضحت وزارة العدل بأن القضاة في السعودية هم الوحيدون في العالم الذين يعملون بدوام يومي كامل، وهي بالتأكيد ليست ميزة إيجابية، فالقضاء عمل يتسم بأكبر قدر من الحساسية والأهمية، وتتوقف على أحكامه إرساء قواعد الحق والعدل، وهذا يوجب أن يكون القاضي أثناء عمله في قمة حضوره الذهني، وصفائه النفسي، ونشاطه الجسماني، وأي اختلال في هذه الاشتراطات يمكن أن ينعكس سلبا على أدائه وأحكامه وصبره، فلو كان الأمر كما قالت وزارة العدل بأن قضاتنا هم الوحيدون في العالم الذين يعملون وفق نظام الدوام الوظيفي اليومي فإن علينا سرعة اللحاق بركب العالم، إذ من المؤكد أن ثمة إيجابيات اقتضت هذا الإجماع العالمي، واقتصار حضور القاضي على أوقات الجلسات المجدولة يمكن أن يحقق الغرض الوظيفي كاملا، ودون إخلال بمتطلبات الدور.واضطرارنا إلى الدوام الكامل للقضاة، يأتي نتيجة تأخرنا الطويل، وغير المبرر في حل إشكالية النقص في أعداد القضاة، فالعدد الحالي لا يتوافق مع كم القضايا التي تنظرها المحاكم، ولعله السبب الرئيسي في شكوى الناس من تكدس القضايا وتأخرها، وكان يمكن لكليات الشريعة في جامعاتنا أن تمد القضاء بالأعداد المطلوبة لو عملنا مبكرا على تكييف مناهجها لتتوافق مع اشتراطات التأهيل في هذا المجال.
وباعتباري من الموظفين السابقين في الأرض، فأنا أعرف حجم الإنهاك الذي يمر به الموظف أحيانا أثناء الدوام، وهو يقوم بعمل روتيني عادي، فكيف إن كان العمل يتعلق بمصائر الناس، ويتسم بقدر كبير من الأهمية مثل القضاء، حيث من المؤكد أن جميع العقلاء يتمنون أن تتوفر لقضاتنا المناخات النفسية الملائمة لأداء أدوارهم، وفي مقدمتها النصاب المعقول والمنطقي من القضايا، فالبعض قد لا يرى من عمل القضاء سوى الجانب المتصل بإصدار الأحكام، بينما يكمن الجهد الأكبر من هذا العمل في دراسة القضايا ومراجعاتها، أي إن عمل القاضي المجتهد قد يمتد إلى بيته وأوقات راحته، بحثا واطلاعا وتأملا، فثمة أعمال تضع على كاهل من يشتغل بها مسؤوليات لا تنتهي بانتهاء وقت العمل، والقضاء في مقدمة هذه الأعمال التي تفرض على أصحابها استمرار الدراسة، وتطوير الذات، ومتابعة المستجدات، وحري بمن يضطلع بهذه المهمة أن نوفر له كل الأسباب الضرورية لإنجاز متطلبات دوره بالطريقة الأمثل، وفي مقدمتها عدم تكليفه بما يفوق طاقته، فضبط نصاب القاضي من القضايا وفق المعدل الطبيعي العالمي من شأنه أن يسهم في خلق إقبال على عمل القضاء، وارتقاء بمتطلبات الدور
0 مشاركات:
إرسال تعليق