مأساة فلسطين تفرض نفسها علي مهرجان الإسماعيلية

القضية الفلسطينية حاضرة دائما في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، حيث يشارك في هذه الدورة الرابعة عشرة والتي تستمر إلي 9 من الشهر الجاري فيلمان تناولا المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، الأول تسجيلي قصير -42 دقيقة- بعنوان "حكاية حرب" للأردنية بهية النمور، ويحكي يوميات حرب غزة عام 2008، خاصة عمليات استهداف المدنيين من سكان القطاع بما فيهم الأطفال، وقد استخدمت المخرجة مشاهد قاسية لأطفال قتلي ومصابين وآخرين يعلنون عن خوفهم من الخروج للشارع، ويقولون :"نحن لا نحمل بندقية ولا نحارب، فقط نريد اللعب، ولكنهم يضربون أي تجمعات حتي وإن كانوا أطفالا"، وقد اعتمدت المخرجة في تكنيك الفيلم علي المواد الأرشيفية خاصة في مشاهد الغارات والانفجارات واستهداف رجال الدفاع المدني وسيارات الإسعاف من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلي أنها تعاقدت مع إحدي الشركات لتصوير بعض المشاهد داخل القطاع أثناء الحرب، وإلي جانب هذه المشاهد الأرشيفية أجرت عددا من المقابلات مع بعض أهالي الضحايا من الأطفال الذين استشهدوا بصواريخ طائرات "f16"، وهم إما يلعبون أو نائمون في بيوتهم، وعلي الرغم من أن الفيلم يقدم صورة مؤلمة للمأساة التي يعيشها سكان القطاع بشكل كبير، إلا أنه فنيا فيلم متواضع وأشبه بالريبورتاج التليفزيوني.

أما الفيلم الثاني "صمود" فهو تسجيلي قصير- 28 دقيقة- للمخرج فيليب رزق وهو مصري يحمل الجنسية الألمانية، عاش في قطاع غزة منذ عام 2007، وعمل مع منظمات غير حكومية، ويتحدث عن معاناة الفلسطينيين أيضا ويعبر عنها وعن الظلم الذين يتعرضون له من قبل الإسرائيليين، ولكن دون أن تري قطرة دماء أو جندياً إسرائيلياً أو حتي تسمع صوت طلقة رصاص، علي الرغم من ذكر مفردات القنابل والصواريخ والقذائف في الفيلم، بعكس ما جاء في فيلم "حكاية حرب"، ولكن المخرج في عدد من القري الفلسطينية يقدم لنا هؤلاء البشر الذين يثابرون ويصمدون ويقاومون بشكل سلمي من أجل الحفاظ علي أراضيهم، في ظل ازدواجية في التعامل، حيث ترفض حكومة الاحتلال أن يقوم الأهالي ببناء منازل جديدة أو حتي ترميم منازلهم القديمة، وإذا قاموا بترميمها تهدمها، وهو ما رصده الفيلم في مشاهد عدة لمنازل مهدمة وعائلات تسكن الكهوف والخيام، في حين تسمح للمستوطنين بفعل ما يحلو لهم.

المخرج اعتمد علي المقابلات الحية مع فلاحي تلك القري الذين لا يعرفون شيئًا سوي زراعة الأرض، ولكن الاحتلال لا يسمح لهم حتي بذلك، ويجرفها لهم، ولكنهم يعاودون زراعتها مرة أخري رافضين تركها لهم، في إشارة إلي عدم الاستسلام وأنهم يفضلون الموت علي ترك أراضيهم التي ولدوا عليها وقرروا أن يدفنوا فيها، وقد استطاع المخرج أن يساوي بين الأثر النفسي الذي تركته الجرافة وهي تقتلع أشجار الزيتون من الأرض وتحولها إلي بوار، والأثر الذي يتركه صاروخ الـ""f16 الذي يسقط علي منازل المدنيين فيقتل الأطفال والنساء والعجائز، وهو ما يؤكد أن القتل واحد فأن تقتل إنسانا تماما كأن تقتلع شجرة.

المخرج كان حريصا علي إظهار هؤلاء القرويين الذين يسكنون في خيام لا توجد بها أي خدمات وبجوارهم مستوطنات بها كل شيء، من خلال مشاهد سريعة لتلك المستوطنات والخيام، مما جعل هؤلاء الفلاحين يشعرون بالظلم ويرون أنه لا أمل في السلام ويقولون :"يحكون عن السلام ومفيش سلام كله كلام"، مؤكدين أنهم ليسوا رجال سياسة أو رجال حرب، هم مجرد فلاحين يريدون العيش علي أرضهم التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي اغتصابها .. إنهم باحثون عن الحياة.

0 مشاركات:

إرسال تعليق