بداية النهاية لمأساة المحاصرين في تشيلي

بداية النهاية لمأساة المحاصرين في تشيلي
عمال الحفر يصلون إليهم في عمق المنجم.. والإنقاذ النهائي بعد 3 أيام
أقارب العمال المحاصرين يحتفلون بنبأ وصول عمليات الحفر إليهم في عمق المنجم في تشيلي، أمس (أ.ف.ب)
لندن: جوسلين إيليا
وصل الحفار الأميركي أو ما يعرف بـ«مخطط باء» إلى عمال منجم سان خوسيه في تشيلي في تمام الساعة الثامنة صباح أمس بعد ساعات من أعمال الحفر، وذلك بهدف إنقاذ العمال الـ33 المحاصرين تحت الأرض على عمق 700 متر منذ انهيار المنجم في أغسطس (آب) الماضي.
ويحتاج المسؤولون إلى فترة تتراوح بين 3 و8 أيام قبل أن تبدأ مهمة الإنقاذ، إذ يتوقف الأمر على ما إذا كانت جدران الممر تحتاج إلى تدعيم، نظرا إلى طبيعة التربة والصخر في المنطقة التي تعتبر من أكثر الجبال صعوبة من حيث التكوين الجيولوجي.
وكانت الأنباء أفادت أول من أمس بأن الحفار «شرام تي 130» أصبح على بعد أمتار قليلة من العمال، وكان جميع الحاضرين من صحافيين يزيد عددهم على 2000، وأقارب وأهالي العمال بانتظار سماع صوت الأبواق وصفارة الإنذار التي تم الاتفاق على إطلاقها لحظة الوصول إلى العمال. وفعلا تحقق الحلم في تمام الساعة الثامنة صباحا، فهرع الأهالي وكل الذين أخذوا من أرض المنجم مخيما لهم إلى أعلى المكان الذي يحتجز تحته العمال، وسادت المكان أجواء من الفرح والسعادة الممزوجة بالقلق على العمال الذين قاوموا الموت على مدى أكثر من شهرين، وتعرض بعضهم لأزمات صحية وحالات مرضية بسبب احتجازهم تحت الأرض لفترة زمنية طويلة، وظلت السلطات التشيلية على اتصال مع العمال لمواكبة حالتهم النفسية والصحية، وسمع بأن هناك بعض الحالات من أمراض الجلد المعدية التي أصابت بعضهم، كما يخشى كثيرون على صحة العامل الأكبر سنا في المجموعة ويبلغ من العمر 65 عاما وبدأ عمله في المنجم في تشيلي منذ أن كان في السن الـ12.
ووصف العاملون في الحفار لحظة وصول فوهة الحفار إلى أسفل الحفرة ورؤية العمال المحتجزين لها، بأنها لحظة مؤثرة بالفعل للطرفين، وهذا إنذار بالفرج القريب، ولو أن هناك الكثير من العقبات والخطورة التي ترافق عملية الإنقاذ الفعلية، التي من المتوقع أن تتم ما بين يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين.
وسادت أجواء من التأثر الشديد والفرح في صفوف عائلات العمال الذين لم يفارقوا المكان منذ أن وقعت الحادثة، مما دفع بوزير الثقافة إلى إنشاء مدارس مؤقتة في المكان ليتمكن أطفال العمال العالقين في المنجم من متابعة دروسهم إلى أن تتم عملية الإنقاذ. وأرسل الرجال تذكارات مثل الرسائل إلى ذويهم عبر الأنبوب وبعثت العائلات بدورها بالملابس إلى العمال عبر الأنبوب عينه.
قصة العمال العالقين في المنجم أصبحت الحدث الأكبر في العالم منذ الخامس من أغسطس، خاصة أنهم استطاعوا البقاء على قيد الحياة لأكثر من شهرين، وهذا يعد رقما قياسيا يسجل في تاريخ حوادث المناجم.
وتعتبر عملية الإنقاذ التي شاركت فيها عدة دول من أصعب عمليات الإنقاذ في تاريخ العمل بالمناجم، حيث حفر المهندسون ممرا بعمق 625 مترا في محاولة لتحرير العمال، وبعد ذلك سيستغرق إخراجهم عدة أيام لرفعهم إلى السطح واحدا تلو الآخر في كبسولات خاصة. وقد يضطر العمال إلى تفجير الفجوة المؤدية إلى النفق لتوسيع مدخلها، ولكن قبل إخراجهم وبعد التأكد من صلابة البطانة الصخرية للنفق المحفور والمؤدي إلى أسفل، سوف يتم إنزال طبيب في الكبسولة التي يطلق عليها اسم «فينيكس» للوصول إلى العمال العالقين وتحديد الحالة الصحية لكل منهم. وبعدها يتم سحب الطبيب إلى أعلى. وبعد تقييم حالة العمال، سوف تتم عملية إنقاذ العمال الأقوى ذهنيا وبدنيا تحسبا لوقوع أي حوادث، خاصة أن الأطباء قرروا عدم تخدير العمال أثناء عملية الإنقاذ، لأنه سوف يتحتم على كل عامل بأن ينزع الإبزيم في حال علقت الكبسولة في النفق الصخري، وسيكون عليه النزول إلى أسفل ومعاودة الكرة من جديد، ومن المتوقع بأن تستغرق عملية إنقاذ كل عامل نحو الـ12 دقيقة.
وفي حديث مع مراسل الإذاعة البريطانية، قال ميغيل فورت أحد المستشارين في عملية إنقاذ عمال المنجم، إنه تم بذل أقصى درجة من الجهد لإنقاذ العمال، وتم تسخير كل ما آلت إليه التكنولوجيا لتخليص حياة هؤلاء الذين علقوا تحت الأرض لفترة طويلة من الزمن.
ومن الناحية الطبية قام الفريق الطبي بتحضير العمال ليكونوا مستعدين للحظة الإنقاذ، فكان من الضروري أن يحافظ العمال على وزنهم لكي يتمكنوا من الوقوف داخل الكبسولة التي يبلغ عرضها 21 إنشا التي تم تصميمها من قبل شركة «الناسا»، لتتلاءم مع أجسام العمال وسيكون بحوزة كل منهم هاتف لاسلكي وجهاز خاص بتقييم حالة الجسم والضغط.
كما تم بناء غرف خاصة قريبة من المنجم مجهزة بالإسعافات الأولية ومجهزة بإنارة خاصة، خوفا على شبكة العين التي يمكن أن تتلف إذا ما تعرضت لأشعة الشمس المباشرة، فبعد مكوث العمال في الظلام لمدة زمنية طويلة يجب مراعاة هذه المسائل التي قد تتسبب بإلحاق الأذى الصحي على المدى الطويل. ومن المنتظر أيضا أن يعطى كل عامل نظارات خاصة يستعملها متسلقو الجبال عند وصولهم إلى سطح الأرض، وسيكون بانتظار العمال أيضا فريق من أطباء الأسنان لأنه سجلت حالات من أمراض الفم واللثة ووجع الأسنان، إضافة إلى أطباء للجلد لمعالجة المشكلات التي تلحق ببشرة وجلد بعضهم.
ومن الناحية المعنوية أيضا سيكون بانتظار العمال أطباء نفسيون للإشراف على حالة العمال النفسية، كما قام فريق متخصص بالسلوكيات الإعلامية بتطوير مهارات العمال وهم في أسرهم وتمرينهم على الإجابة على أسئلة الإعلاميين والصحافيين، خاصة أنهم أصبحوا مادة إعلامية دسمة سوف يتهافت عليهم الإعلام العالمي لظهورهم على أغلفة المجلات وفي أهم البرامج التلفزيونية.
يشار إلى أن مهندسي الإنقاذ كانوا مقسمين إلى 3 مخططات «أ» و«ب» و«س»، للقيام بعمليات الحفر في أماكن مختلفة من سطح المنجم إلا أن الفريق أو المخطط «ب» الأميركي كتب له نصيب النجاح للوصول إلى العمال قبل المخططين الآخرين. وفي هذه الأثناء لا تزال النيران مشتعلة في مخيم أهالي العمال، الذين أحرقوا بالنار منذ حدوث الفاجعة منذ شهرين، وهم يطلقون الألحان والموسيقى ويصلون توسلا لله ليرجع أحباؤهم سالمين، كما تقوم النساء في المخيم بالطهي وتحضير الخبز وإطعام الحاضرين على أمل أن تنتهي المأساة ببشرى سارة.

0 مشاركات:

إرسال تعليق