«بلاك بيري» ومستخدموه في مصر في مأمن «حتى الآن»

«بلاك بيري» ومستخدموه في مصر في مأمن «حتى الآن»
الثلاثاء, 24 أغسطس 2010
ربما لأن «كل ممنوع مرغوب»، زادت مبيعات الهواتف الذكية من نوع «بلاك بيري» في مصر، بالترافق مع الأزمات العاصفة التي ثارت أخيراً مع مجموعة من الدول. لا يحب المتحمسون لـ «بلاك بيري» تذكيرهم بأن الدول الأكثر تقدّماً في تكنولوجيا المعلومات هي التي خاضت المفاوضات الأزمات الأشد قوة مع «بلاك بيري»! للتأكد من ذلك، يكفي النظر الى ما حدث بين شركة «آر إي أم» الكندية، المُصنّعة لهذه الهواتف، مع الولايات المتحدة، خصوصاً البنتاغون. واللافت ان المفاوضات بين هذه الشركة وعدد من دول المنطقة لم تدم طويلاً. في المقابل، خاضت الهند التي تعتبر من عمالقة المعلوماتية والاتصالات عالمياً مفاوضات مريرة مع «بلاك بيري». ولم يهتم الإعلام العربي بتتبع مسار التفاوض مع الهند، على رغم العلاقات الوثيقة مع تلك الدولة، إضافة الى وجود جالية هندية كبيرة وفاعلة في الخليج العربي. في مصر، لم تحصل الأزمة أصلاً. ولكن كثيراً من القلوب والعقول، ليست مطمئنة. ليس بعد...
القاهرة – أمينة خيري
«حتى الآن» هما الكلمتان السريتان الـسـحريتان المثيرتان للخوف والتـوجـس المـشوبـيـن بالـترقب في حــياة مســتـخدمي «بـلاك بـيـري» فـي مـصر. ليستا بهينتين. إذ تعنيان أن الخطر غير مباشر، لكنه قـابل للـحـدوث فـي أي وقـت، ومـن دون سـابق إنـذار.
لم تؤد التصريحات التي أدلى بها الرئيس التنفيذي للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات المصري الدكتور عمرو بدوي أخيراً، لتهدئة روع أصحاب «بلاك بيري». ويرجع ذلك إلى أوركسترا من المطالبات بالمنع والحظر والإيقاف، عُزِفَتْ في عدد من دول المنطقة أخيراً.
كان من الطبيعي أن تثير أزمات دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ولبنان والجزائر مع شركة «آر أي أم» RIM الكندية المُصنعة لـ «بلاك بيري»، كثيراً من التكهنات حول مصير تلك الأجهزة مصرياً، خصوصاً أن ملف تداول المعلومات وخصوصية الاتصالات يشكل صداعاً مزمناً في الأجهزة الأمنية.
مخاوف رائجة من التشفير
تذكيراً، فقد علّق بدوي على تلك الأزمات قائلاً: «لا يوجد أي اتجاه لمنع استخدام أجهزة «بلاك بيري» من التداول في مصر... حتى الآن». ويبدو أن أوان الأزمة مع «آر أي أم» لم يحن بعد مصرياً.
وعلى رغم ذلك، أشارت منظمة «صحافيون بلا حدود» إلى أن عدداً من الحكومات، هي أندونيسيا والكويت والهند ومصر، عبّرت عن مخاوف متنوّعة في شأن خدمات «بلاك بيري» المُشَفّرة. وأوردت المنظمة أن هذه الحكومات طلبت من «آر أي أم» أن تمدها بطُرُق تمكّنها من الاطلاع على معلومات سرية عن مستخدمي تلك الخليويات. ولم تصدر هذه الشركة تعليقات جازمة عن مسار التفاوض مع تلك الحكومات، على رغم المفاوضات الطويلة والمعقدة التي تخوضها «آر أي أم» مع الهند.
في سياق متصل، أوضح بدوي أن خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تجري مصرياً عِبر أُطُر وقوانين تتفق مع التشريعات المحلية التي تحافظ على سرية البـيانات، مشيراً الى أن الجهاز الذي يترأسه لم يلمس جديداً في هذه الخدمات يتعارض مع التشريعات والقـوانين، بطريقة من شأنها أن تدفع لاتخاذ قرار بالمنع أو الحظر أو الإيقاف.
ولفت بدوي الى أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يتابع المستجدات في تكنولوجيا الاتصالات على المستويين العالمي والعربي. وكذلك يتابع الجهاز عينه خدمات «بلاك بيري» في صورة مستمرة. وقال: «في حال ظهور مستجدات تستوجب اتخاذ قرارات لمصلحة المستخدمين، سيتم اتخاذ ما يلزم من دون تردد، ما دام لمصلحة جمهور المستخدمين والمصلحة العامة أيضاً».
وفي سياق متصل، شهد سوق الـ «بلاك بيري» انتعاشاً كبيراً في مصر، في الأشهر القليلة الماضية. وبات اقتناؤه بمثابة جواز المرور إلى طبقة مميزة اجتماعياً واقتصادياً، على رغم التفاوت الكبير في أسباب اقتنائه.
يحمل أسامة فاضل (56 عاماً، رجل أعمال)، خليويين أحدهما «بلاك بيري»، ويلقبه بـ «الساعد الأيمن». وأعلن أن حياته صارت أسهل وأوفر وأسرع، بفضل «بلاك بيري». وقال: «لم أعد في حاجة إلى الوجود في مكتبي بالطريقة السابقة... يمكنني الاطلاع على ما يحدث هناك في اللحظة نفسها، وكذلك التدخل لإجراء تغييرات، أو ما شابه. باتت لدي قدرة الرد على رسائل البريد الإلكتروني وإرسال الملفات وغيرها... ان لوحة الأزرار في «بلاك بيري» كبيرة، ما يسهل عملية الكتابة إلى حد كبير. وإضافة إلى ذلك، أطلع على أسعار البورصات العالمية وسير الأسهم فيها وقت ما أشاء».
وفي نفسٍ مُشابه، أكّد هاشم محمد (16 عاماً، طالب) أن «بلاك بيري» غيّر حياته تماماً. وقال: «من المستطاع تصنيف الناس فئتين حاضراً: الأولى تنتمي الى مجتمع «بلاك بيري»، والثانية خارجه. اكتشفتُ ذلك بنفسي يوم اقتنيت هذا الجهاز - التحفة. لم تعد علاقتي مع الانترنت قصراً على ساعات العمل مع الكومبيوتر، إذ أدخل الى الشبكة طوال الساعات التي لا أكون نائماً فيها».
فوبيا المعلومات والموضة
أحدث «بلاك بيري» ثورة في عالم الاتصالات وعلى المستوى الاجتماعي في مصر، بحسب تأكيد أبو العلا مصطفى مدير قطاع التسويق في شركة «فودافون». «من يقتني «بلاك بيري» يضمن اتصاله الدائم ببريده الإلكتروني، وكل ما تقدمه الإنترنت من خدمات مثل فايس بوك، وغرف الدردشة وغيرها، بغض النظر عن المكان أو التوقيت». وأشار مصطفى إلى أن الفئات الأكثر إقبالاً على «بلاك بيري» في مصر، أسوة ببلدان كثيرة، رجال الأعمال والطلاب والشباب، أي أنها الفئات التي تحب أو تضطر إلى استعمال الإنترنت لفترات طويلة.
وقدّر مصطفى عدد مستخدمي هذه الهواتف في شركته بنحو مئة ألف شخص. «ليس عدداً كبيراً، من المؤكّد أن إمكانات استيعاب السوق المصرية لـ «بلاك بيري» أعلى من ذلك كثيراً».
وقلّل مصطفى من حجم الإثارة والتوجس حول احتمال حظر هذه الهواتف الذكية. وأشار إلى أن الضجة المثارة سببها الموضة، بمعنى أن «بلاك بيري» هو الاسم الأكثر تداولاً، مثل حال الاتصال عبر «سكايب». «لماذا يتحدث الجميع عن «سكايب»، على رغم وجود عشرات برامج الاتصالات الأخرى؟ لأنه الأشهر»! هكذا. ببساطة.
ولكن المؤكد أن «بلاك بيري» ليس مجرد الأشهر، لكنه الأخطر أيضاً. وقبل أيام، عقد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات اجتماعات مكثفة مع شركات الخليوي الثلاث التي تقدم خدمات «بلاك بيري» في مصر، بهدف رصد مشكلات ربما نجمت عن استخدامه. ولم تسفر الاجتماعات عن شيء يثبت وجود مخاطر من استخدامه، كما لم يُستخدم من جانب خارجين عن القانون في أعمال إجرامـية.
والــطـريف أن قــضــية «بـلاك بيري» تـحــولــت مـادة خـصـبة لـكـيل الاتـهامـات والـسـخـريـة مـن الكثير من الأنظمة الـعـربـيـة الـتـي ما زالـت تـعـيــش مـرحـلة الخوف المزمن (فوبيا) من تداول المعلومات.
فقد كتبت جريدة «الدستور» المصرية اليومية المُعارضة تـحت عـنوان «فـوبــيا» البلاك بيري تصيب الحكومات العربـــية لفــــشــلها في التـجسـس عـلى مواطـنـــيها» قائــلــــة إن ثمــــة أســـباباً مُحقّة في شــــأن المخاوف من هذه الـهـواتف، مـثـل وجود خـوادم حصرية للاتصالات في مقر الشركة في كندا، لكن الأسباب الفعلية عربياً ترجع الى خوف الحكومات على نفسها، وليس الى حرصها على مواطنيها.
يشار الى أن ظاهرة التخوف من «بلاك بيري» ليست عربية أو قاصرة على الدول النامية أو المبتدئة في طريق الديموقراطية، فقد أصدرت المفوضية الأوروبية في أوائل آب (اغسطس) الجاري قراراً يحظر استخدام أجهزة «بلاك بيري» على جميع موظفيها (نحو 32 ألف موظف).
تزامن هذا الحظر مع تحفظ عدد متزايد من الحكومات الأوروبية عن «بلاك بيري» لأسباب شملت ضعفه أمام القرصنة، وأن الشركة التي تصنّعه تدير المعلومات والبيانات عبر مراكز في كندا وبريطانيا والولايات المتحدة، ما يمكّن حكومات هذه الدول من الاطلاع عليها.

0 مشاركات:

إرسال تعليق