اليمن بين انهيار الدولة وانقسام المعارضة

أكثر من مائة قتيل خلال شهر، عصيان في كل المناطق، جيش وحكومة في حالة انهيار وتفسخ، أما الرئيس علي عبد الله صالح فيبدو أنه فقد السيطرة على الدولة، فيما المعارضة منقسمة ولا يجمعها في سوى قاسم واحد، وهو اسقاط الرئيس.

في تحليله للوضع اليمني المتفجر لاحظ جريجوري جونسون، الباحث في جامعة برينستون والخبير في الشؤون اليمنية، "الارتفاع المطرد لعدد المشاركين في الاحتجاجات " التي "تضم كل الأطياف، انفصاليو الجنوب وثوار الشمال وقبائل من مختلف المناطق، كما طلاب الجامعات، بل وكما لوحظ مؤخرا، أعضاء ينتمون 

ويفسر جونسون قدرة الرئيس علي عبد الله صالح على البقاء في الحكم لأكثر من ثلاثة عقود ببلورته لما يمكن تسميته بـ "نظام رعاية" مدروس بدقة، مكنه من اللعب على تناقضات منافسيه وجعلهم يتصارعون ضد بعضهم البعض. وأضاف جونسون بهذا الصدد  بأن صالح "نجح في جعل خصومه يركزون على بعضهم البعض بدلا من تحويل قوتهم وطاقتهم ضده. وما يقع اليوم هو بالضبط السيناريو الذي أرعب صالح طوال السنوات الماضية، أي أن يتفق خصومه ويشكلوا جبهة مؤقتة وموحدة ضده. فلم يعد بإمكانه الحفاظ على بقائه السياسي".
وحدات من الجيش اليمني تنضم للمتظاهريين
"نظام رعاية" عبد الله صالح
وفي السياق نفسه توضح إلهام مانع أستاذة العلوم السياسية في جامعة زوريخ السويسرية أن المراقبين لم يكونوا يتوقعون لصالح القدرة على البقاء في السلطة لمدة طويلة حينما استولى عليها عام 1978. وأضافت بأنه "لما جاء إلى الحكم، لا أحد كان يعتقد بقدرته على الاحتفاظ بالسلطة لأكثر من بضعة أشهر، قبل أن يزاح أو يقتل". إلا أنه أظهر قدرة بارعة على البقاء في بلد يطغى عليه الطابع القبلي، "صالح وضع نظام رعاية متطور عبر تعيين زعماء القبائل في المناصب الكبيرة وترويضهم مقابل امتيازات مالية" تضيف مانع.
إلا أن صالح، الذي يحكم شمال اليمن منذ عام 1978 وجنوبه منذ الوحدة عام 1990، لم يعد يملك الإمكانيات المالية التي كانت تحت تصرفه في السابق. وذلك لتراجع الإنتاج النفطي الذي تشكل إيراداته 75% من ميزانية الدولة، والارتفاع المطرد لنفقات الدولة إضافة إلى تفاقم عوامل الانفجار الديموغرافي والارتفاع المهول لنسبة البطالة التي تصل إلى 35%.
هذا الوضع أدى إلى تدمير كبير خصوصا لدى الشباب المتعلم في بعض المناطق كصعدة وصنعاء وتعز، كما توضح مانع، والتي تعتبر أن خطوط الصراع والتماس متعددة ومعقدة ومرتبطة بالبنية القبلية والدينية لليمن. فاستقرار اليمن كان هشاً دائماً.

تعقيدات قبلية في الشمال وجهود انفصال في الجنوب
في شمال البلاد على الحدود مع السعودية تطغى حركة الحوثيين المتمردة على المركز في صنعاء. فالحوثيون قبيلة هاشمية تنتمي للطائفة الزيدية المتفرعة عن المذهب الشيعي. والمفارقة أن الرئيس صالح نفسه زيدي العقيدة إلا أنه ينتمي في الوقت ذاته لقبيلة سنحان الغريم الأول للزيديين. وعمل صالح دائماً على توظيف هذه الصراعات القبلية سياسيا. فقد أعلن أن الحوثيين يتعاطفون مع تنظيم القاعدة، وحصل مقابل ذلك على دعم مالي من الغرب، الذي رأى فيه شريكا في الحرب على الإرهاب. بل وحصل حتى على دعم الجار السعودي، حيث ترى الرياض في الحوثيين أداة لخدمة السياسة الإيرانية في المنطقة.
وإضافة إلى ذالك، يحارب صالح في جبهة أخرى في جنوب البلاد، صراع تصفه إلهام مانع ب"القومي". فبعد إعلان الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه عام 1990، اندلعت حرب أهلية عام 1994 تمكن الشمال من الانتصار فيها، ما ولد إحساسا عميقا لدى الجنوبيين بالحيف. وهذا الملف لم يتم طيه إلى اليوم، إذ لا تزال النزعة الانفصالية قائمة إلى اليوم في الجنوب.
الثوار اليمنيين
الدولة اليمنية على وشك الانهيار
وإذا ما أضفنا إلى هاتين الجبهتين التواجد الكبير لتنظيم القاعدة وانتشار الفساد وغياب بنية قوية للدولة الحديثة، فإن اليمن يبدو اليوم مهددا بالانهيار. وإذا ما أخذنا بالاعتبار عدد قطع السلاح التي يملكها اليمنيون والتي تقدر بخمسين مليون، فإن الوضع بات أسبه ببرميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، فيما الرئيس صالح عاجز عن أي تحرك بعدما حرق كل أوراقه.
وبهذا الصدد يتصور جريجوري جونسون بأن المستقبل قد يمر أولا بـ "مرحلة انتقالية، فقد ينسحب صالح بسلام وقد لا يفعل ذلك". بمعنى أن السيناريوهات المحتملة مرتبطة إلى حد كبير بما سيفعله الرئيس صالح. إلا أن جونسون يستبعد أن تشكل أطياف القوى المعارضة في المستقبل تحالفا حكوميا منسجما، معتبرا أن القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع هذه المعارضة حاليا هو مناهضتها للرئيس صالح. 



0 مشاركات:

إرسال تعليق