الأبطال الوطنيون غالباً ما يأتون في النهاية

الأبطال الوطنيون غالباً ما يأتون في النهاية



غلاف كتاب ''صعود وهبوط الشركات الكبرى: كورتو وإعادة تشكيل صناعة الألياف الصناعية'' تأليف جيفري أوين ونشر جامعة أكسفورد.
غلاف كتاب ''صعود وهبوط الشركات الكبرى: كورتو وإعادة تشكيل صناعة الألياف الصناعية'' تأليف جيفري أوين ونشر جامعة أكسفورد.
ديفيد كيناستون

''الذين يستطيعون إلقاء حتى نظرة متوسطة الأجل ننصحهم برفض العرض والبقاء مع كورتو''. هذه كانت النصيحة الحازمة إلى قراء ''فاينانشيال تايمز'' في شهر آذار (مارس) 1962. كان الموضوع يدور حول عرض استحواذ تقدمت به شركة الكيماويات العملاقة ''آي سي آي''، والذي كان في ذلك الحين أكبر عرض في التاريخ المالي البريطاني. في النهاية تمكنت شركة كورتو من وقاية نفسها من الاستحواذ، واحتفل مجلس إدارة الشركة بإقامة شعائر يوم الشكر. لكن الشكر الحقيقي كان ينبغي أن يذهب إلى فرانك كيرتون، النجم الصاعد في ''كورتو''، الذي استطاع وحده تقريباً إقناع الحي المالي في لندن بأن الشركة تتمتع بمستقبل مشرق في وضعها المستقل.

خلال فترة قريبة تولى كيرتون، الذي كان قلِقاً ونشيطاً ومقتنعاً بأن ''كورتو'' يمكن أن تساعد في أن تكون في طليعة نهضة اقتصادية بريطانية كبيرة، إدارة الشركة، وعمل على تحويل الشركة بصورة تامة إلى أن تقاعد في عام 1975. ويصف المؤلف جيفري أوين شخصية كيرتون بأنه ''رجل عملي وليس مفكراً استراتيجياً''، وقد أنشأ ما يعرف بالتصميم العظيم، استناداً إلى التكامل العمودي: في البداية من خلال شراء أو بناء معامل للغزل والنسيج والحياكة تستطيع استخدام الألياف التركيبية التي تصنعها شركة كورتو، لكنه سرعان ما وسع أعمال الشركة إلى البيع بالجملة وحتى البيع بالمفرق. وكانت النتيجة أن أصبحت ''كورتو'' عملاقاً ضخماً في مجال النسيج، وهي شركة كانت، كما قال كيرتون بثقة للمساهمين عشية تقاعده من الشركة ''في وضع ممتاز بكل ما لديها من معامل ومعدات جديدة للاستفادة من الفرص خلال السنوات المقبلة''.

لكن هذه التركيبة لم تنجح. فقد كان من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية في منتصف السبعينيات، وتحول الذوق إلى الأنسجة الطبيعية، والتحول العام في سلسلة الأنسجة إلى بلدان ذات عمالة منخفضة (خصوصاً الصين)، أن ''كورتو'' لن تحتل مرة أخرى مركز الصدارة. وفي عام 1990 تفرعت إلى شركتين، الأولى هي ''كورتو'' (المختصة أساساً بالأنسجة والدهانات وطبقات الطلاء)، و''كورتو تكستايلز''. لكن تبين، كما كانت الحال مع تفرع ''آي سي آي'' بعد ذلك بثلاث سنوات، أن هذا كان الدواء السحري. فقد تم الاستحواذ على ''كورتو'' في عام 1998 من قبل شركة الكيماويات الهولندية ''أكزو نوبل''، وفي عام 2000 استحوذت الشركة الأمريكية ''سارا لي'' على شركة كورتو تكستايلز.

هذه القصة التي تدور حول صعود الشركة وهبوطها السريع بصورة مذهلة تقع في قلب دراسة أوين المثيرة للإعجاب من حيث الأبحاث التي قام بها المؤلف لهذه الدراسة وأسلوبه المشرق في الكتابة. يذكر أن أوين كان في السابق محرراً بارزاً في ''فاينانشيال تايمز''، حيث كان يتابع بصورة وثيقة المشهد الصناعي البريطاني، وبالتالي فهو المؤلف المثالي حول هذه المواضيع، خصوصاً من خلال الفهم المتين للجوانب الفنية لهذه الصناعة المعقدة بصورة مرهقة. كما أن الكتاب هو دراسة جاءت في وقتها، وذلك بالنظر إلى الحكمة التقليدية التي تقول إنه يجب على بريطانيا أن تسعى لإعادة موازنة اقتصادها وإعادة إنشاء قاعدتها الصناعية.

ما العوامل التي أدت إلى اختلال الأمور؟ يكشف التحليل الدقيق للمؤلف أن بذور الدمار بذرت في عهد كيرتون، الذي كان إلى درجة تفوق الحد فريقاً يتألف من رجل واحد، وكان يغلب عليه التركيز على الإنتاج، إلى جانب كونه غافلاً عن صعود آسيا؛ ويكشف أن خلفاءه الذين كانوا في الغالب موهوبين ارتكبوا عدداً يفوق الحد من القرارات الخاطئة والمثيرة للجدل؛ ويكشف أن الحظ السيئ لعب دوراً في ذلك، خصوصاً حين تحول المستهلكون بصورة مفاجئة في عام 1997 ضد ''تِنسِل'' Tencel (وهو نوع الألياف المصنوعة من السليلوز والتي كانت تنطوي على إمكانية غزو العالم).

الواقع أنه تماماً في الوقت الذي كان اسم ''كورتو'' يتعرض فيه للاختفاء ظهر كتاب أوين السابق. صدر هذا الكتاب في عام 1999 بعنوان: ''من الإمبراطورية إلى أوروبا From Empire to Europe ''، وكان في مستوى معين رداً على كتاب ويل هاتون الذي حقق رواجاً كبيراً بعنوان: ''الحالة التي نحن فيها الآن The State We’re In''، خصوصاً ما قام به هاتون من التغني بمحامد رأسمالية ''بلاد الراين''. منذ ذلك الحين لم تكن ''كورتو'' فقط هي التي ذهبت إلى مالكين أجانب، وإنما كذلك العديد من السمات الأخرى الداعية للاعتزاز والتي كان يبدو عليها أنها ستظل من العلامات الدائمة في المشهد الصناعي البريطاني، بما في ذلك مجموعة آي سي آي (المملوكة الآن للشركة الهولندية أكزو نوبل منذ بداية عام 2008)، وشركة بِلكِنجتون وشركة كادبيري.

كانت هذه الفكرة في ذهن المؤلف حين عرض، في الفصل الأخير من كتابه الجديد، مقارنة قوية لكنها منعشة بين بريطانيا واليابان حول دور بقاء الشركات المؤلفة من بلدان مختلفة، خصوصاً الدولة والبورصة والعلاقة بين المديرين والمستثمرين. وبعد إقراره بأن النظام الياباني يشجع الاستثمار الصبور طويل الأجل، فإنه يصور لنا الخطأ القاتل لهذا الأنموذج في ظل غياب العصا القوية لسوق الأسهم في سبيل ضمان تحديث هيكله الصناعي. في المقابل يستنتج المؤلف أن النظام البريطاني المفتوح والقائم على السوق ''أكثر انسجاماً مع عصر المنافسة العالمية من الأنظمة التي تعمل على إبطاء التغير الصناعي وتساعد على بقاء الأبطال القوميين الذين طال عليهم الأمد على قيد الحياة''. ربما يكون المؤلف على حق. مع ذلك فإن من الممكن أن تكون روح العصر خلال العقد الثاني من هذا القرن أقل ''انسجاماً'' مع الداروينية الوحشية التي من هذا القبيل (أي التي تؤمن بأن البقاء للأقوى والزوال للأضعف). إن حكاية السنوات القليلة الماضية، وهي حكاية لم يتم الإقرار بها دائماً في عالم الشركات، هي أن سادة الكون هم الذين أحدثوا الفساد والاضطراب بصورة شاملة وأن خدم الكون هم الذين يدفعون الثمن الآن. ربما تكون النتيجة المرجحة لذلك هي القومية السياسية والحمائية الاقتصادية، وفي هذه الحالة فإن جميع الرهانات التي تراهن على استمرار ''عصر المنافسة العالمية'' حسمت بالنفي بصورة قاطعة.

الكاتب هو مؤلف كتاب '' الحي المالي في لندن، 1815 إلى 2000 The City of London ''

0 مشاركات:

إرسال تعليق