(ميشع يبقى حياً) في مهرجان القاهرة التجريبي

(ميشع يبقى حياً) في مهرجان القاهرة التجريبي



عمان- إبراهيم السواعير- تشارك مسرحية (ميشع يبقى حيّاً)، التي كتب مادتها هزاع البراري وأخرجها عبد الكريم الجراح، في مهرجان القاهرة التجريبي الذي ينطلق اليوم. وفي سياق المشاركة كان لـ(الرأي) مع البراري هذا اللقاء:
• لنتجاوز بطولات ميشع وانتصاراته التي يمكن أن يحملها أكثر من نص أدبي أو فني، أو حتى بيان ثوري، ولنسأل عن هذه المسافة الإبداعية بين النص والعمل؛ هل حمل عبد الكريم الجراح إسقاطاتك بشحمها ولحمها أم تخفف أم كثّف، وما (الثيمة) التي تناسب القرن الحادي والعشرين في المسرحية؟!
معلومٌ أنّ النص يتكئ على نقش مسلة ميشع التي تؤرخ انتصارات هذا القائد المؤابي على الممالك اليهودية، وهي الانتصارات التي اعترف بها التاريخ. والذي أقوله إنّ النص ليس جديداً، فقد قُدّم على خشبات المسرح بأكثر من رؤية إخراجية. وهو بالتأكيد ليس طرحاً ساذجاً أو سطحياً، بل موارب البناء، وإن كان استند إلى المادة التاريخية. فالمادة التاريخية عندي ليست وثيقةً جافة أحمل كل تفاصيلها إلى المخرج، بل فيها الكثير مما يمكن الاشتغال عليه، ودرجة الإخلاص لهذه الوثيقة تتراوح بين كاتب وآخر، لأن في حسابي وأنا أكتب النص المسرحي أن أترك مساحةً للإبداع والإسقاط والاجتراح.
في مادة المسرحية رأيت أن الصراع (بيننا) وبين اليهود ليس غير حضاري وإن تباينت المسوّغات الثانوية لهذا الصراع. وكثيراً ما يرون (هُم) أن صراعهم يستند إلى الأرض أو الدين والمقدسات، فالمسرحية في هذا التوقيت بالذات تعرّي كثيراً من مفاصل التاريخ التي يمكن إسقاطها على الحاضر. أما المسمى (ميشع يبقى حياً) فأعتقد أن فيه دعوة للمقاومة بالأسلوب الحضاري الذي أشرت أليه.
وأعتقد أن مشاركتي مؤلفاً في هذا المهرجان للمرة الأولى تعد مكسباً كونه الأكبر في الشرق الأوسط، ثمّ إنّ (ميشع يبقى حياً) كانت فازت في مهرجان المسرح الأردني في دورته الماضية بالمركز الأول على مستوى الإخراج والنص، وهذا برأيي أهّلها لأن تختارها اللجنة الاستشارية للمسرح لكي تمثل الحركة المسرحية الأردنية المسرحية هناك.
• مع أن ميشع كان وثنياً واليهود كانوا أصحاب ديانة سماوية؛ ما الطاغي على تفكيرك عند كتابة النص: الفكر أم الجمال أم عصرنة الثيمة؟!
عند كتابة النص تساوق عندي الهدفان الفكري والجمالي؛ ولكن عند ولوج مرحلة تاريخية تريد أن تتبناها بأدوات عصرية فإنّ الإسقاطات لا بد أن تكون حاضرة بحضور لغتها المتدفقة المعطاءة، وأعتقد أن جماليات النص عندي كان في البناء الملحمي والاتكاء على اللغة الشعرية الحارة بحرارة البعد الدرامي لحياة مليئة بالبطولات تنطبق عليها حياة الملك ميشع وأحداثها المصاحبة. وأرى أنّ من حق المخرج أن يطرح رؤاه الفنية على النص؛ ومع أنني قبلت بالمخرج فإنّ هذا القبول ليس شرطاً أن يكون دائماً علامة رضا؛ فأنا من المؤمنين دائماً بألا يُمارس كاتب النص على مخرجه دكتاتورية التفاصيل.
أنا أتحمل رؤيتي في النص درامياً وعلى مستوى حركة الشخوص، وهو يتحمل نتيجة تكثيف بعض الخطوط واختزال بعضها أو حتى إهمالها في بناء المشهد.
• ولكنْ؛..كثيراً من المخرجين ما يزال يتغوّل على نص (اشتراه)؛ فيكون طرح النص في جهة ورؤية المخرج في جهة لا تجد رابطاً بينهما مهما اجتهدت، أو حتى استعنت بكلّ شرّاح المسرح ومتتبعي الدلالة؟!
الاتجاهات الحديثة في النص المسرحي تسمح للمخرج بممارسة رؤيته، ولا نستطيع أن نصادر حقه في هذا، ومع أن إعداد النص أيضاً دخل وسيطاً، إلا أن الذي أراه أن جذور النص الأساسية لا بد أن تحضر، مع أن هذا الحضور قد يكون قوياً حيناً أو ضعيفاً لسبب أراده المخرج، ولكن في النهاية هنالك خيط ورابط ودال قد لا يروق لصرحاء الدلالة أو المنادين بوضوحها، ولكنْ، لا أرى في هدم النص وتشويه شخصياته وخلق اضطرابات تتخلله على المسرح ما يفيد، وعلى أية حال فإنّ المخرج محاطٌ بالنقاد ولهم كلمة سواء في هذا إن ثبّتنا المتغيرات جميعها لصالح موضوعية النقد وأطره العريضة.
وعندي؛ فإنّ الجراح حافظ على النص في سياقه العام ووهّج اللغة والأحداث الرئيسة والحوارات واتبع إيقاعاً مريحاً، وهو عدا هذا وذاك صاحب تجربة ولديه رؤيته الفنية التي ينطلق من خلالها في تعامله مع نصوص المسرح.
• ما دمنا في سياق التاريخ؛ فإنّ الشاهد التاريخي كالقلاع أو الأوابد، التفت إليه مؤخراً كتّاب النصوص وحملوه أشجانهم وحنينهم وإسقاطاتهم. وهو تباينٌ في الطرح أو الإسقاط، وربما تجد نصاً يحث، ببساطة، على الحفاظ على هذه الأوابد ونقل تاريخها دون هدف أكبر من المناسبة؛ هدف يغلي له دماغ الكاتب والمخرج والجمهور. ماذا ترى؟!
لا أرى في الشاهد التاريخي إلا مادةً يجب أن تكون دسمة للنّاص والمشتغل على النص. وفي استلهامنا لهذا الشاهد أو ذاك فإنّ الانحياز يجب أن يكون للإبداع، أما المناسبة أو الغرض الوطني أو الديني أو السياسي فلا يبرر بحال التنصّل من شروط الإبداع على مستويي النص والإخراج، لأن كليهما يحمل الآخر، وإذا أردنا أن نحكم هذا الكاتب أو ذاك في سياق الاحتفالية غير الناضجة فنياً أو المناسباتية التي نستذكرها فإنّ جزءاً كبيراً من المسافة الإبداعية التي أشرتَ إليها تظل تقصر حتى تقصر الأفكار والكتابات وتتمترس في هذا الحيز الضيق الذي لا يخدم هذا الأفق الواسع الذي يزداد يوماً إثر يوم

0 مشاركات:

إرسال تعليق