عقد الإذعان الفني يتوج «مردوخ» اليهودي علي عرش الفن العربي

استطاعت شركة «نيوز جروب» في أقل من عام واحد أن تبتلع «روتانا» بجميع قطاعاتها، بل والتغلغل في نسيج أكبر كيان عربي للإنتاج الفني والسيطرة علي كل شيء.. عملاً بمبدأ المكسب فوق كل اعتبار، دون الالتفات إلي أن الفن قيمة في ذاته.

نوايا «نيوز جروب» انكشفت بعد الاتفاق مع «روتانا» علي سياسة جديدة في التعامل مع الإنتاج الفني الخاص بالملحنين والمؤلفين.. هي أقرب إلي الاحتكار، لأنها تفرض علي «المبدع» التنازل عن الأغاني التي يملكها سواء كان ملحناً أو مؤلفاً مدي الحياة، وأيضا طيلة 50 عاماً بعد الوفاة.. هذه الشروط أثارت غضب العديد من الملحنين إذ تعني الإقرار بالتنازل الكامل.. بمعني أن لها حق بيع اللحن واستغلاله في «الرنات الإعلانات» أو منحه لأية جهة أجنبية تضع عليه الكلمات التي تريدها وباللغة الخاصة بها.. مما أثار أيضا بعض الشكوك حول دور «نيوز جروب» في تسهيل مهمة انتقال التراث الغنائي العربي إلي إسرائيل.

وفي هذه الحالة لا يحق لأي مطرب أو ملحن أو مؤلف أن يبدي اعتراضه لأنه تنازل عن إبداعه بمحض إرادته، وقد طبقت روتانا هذا المشروع مع تركيا في البداية.. ثم تم تعميمه ليشمل جميع دول الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل.

وقد أشار البعض إلي أن «نيوز جروب» سعت لتنفيذ هذا المخطط تحت رعاية «جمعية الساسيم».. وهي جميعة المؤلفين والملحنين في فرنسا التي تضم إسرائيل عضواً فيها.

ولم يكن الهدف من وراء هذه الاتفاقية خافياً علي أحد لأنه يعكس رغبة واضحة في الهيمنة الصهيونية علي مصادر الإبداع العربية والتسلل إليها عبر بوابة روتانا.

ورغم أننا أول من كشف عن خطورة دخول «نيوز جروب» شريكاً أساسياً في روتانا، وخاصة فيما يتعلق بنيجاتيف أكثر من ألفي فيلم تعد - بحق - عصب الثروة الفنية للسينما المصرية، وإمكانية بيعها بالتبعية لتصبح في يد «روبرت مردوخ»، فإن المخطط يتم تنفيذه أيضا ليصل إلي التراث الغنائي عبر امتصاص دماء الملحنين العرب وتصفيتهم إبداعياً تجريدهم من ملكيتهم الفكرية عن طريق سحب جميع أعمالهم بموجب تنازلات نهائية لا يمكن الرجوع فيها.

هذا التجريد «عقد الإذعان» يظل «وصمة عار» في جبين الفن، لأن الهدف من وراء ذلك هو الاستيلاء.. إضافة إلي دمج «الفن العبري» في المنظومة العربية فيما بعد بما يشبه انتزاع الأراضي من الفلسطينيين قبل 1948.. فاليهود ينسجون علي نفس المنوال لتصبح إسرائيل مالكة لمعظم الإنتاج الفني وطرق نشره أو الإبقاء عليه داخل مقبرتها الفنية.

هذا المخطط ليس خيالا أو سيناريو من بنات أفكاري، فالمفاجأة الكبري أن هناك ملحنين عرض عليهم بالفعل التوقيع علي عقود التفرغ وبدأوا مناقشة البنود ليكتشفوا سقوطهم في فخ تزييف الحقائق وبخس الحقوق ونقل الإبداع بل الزج بهم في عملية تطبيع واسعة الانتشار، وقد أشار إلي هذه الخديعة الملحن «بلال الزين».. الذي ظل يفاوض روتانا عدة أسابيع ليفهم أبعاد عقود التفرغ وصلتها بجمعية المؤلفين والملحنين ودور «نيوز جروب» في رسم ملامح الصفقة والتخطيط لها بموجب خبرائها الذين يتحكمون حالياً في كل ما يخص روتانا من برنامج عمل وحسابات وإدارة مالية.

وبعد أن اتضحت الأمور أمام بلال الزين قرر وقف التفاوض والانسحاب من ألبوم وردة الجزائرية وإقناعها بإنتاج الألبوم لدي شركة أخري رافضاً التنازل عن الأغاني الأربع، ومؤكداً أنه سحب الأغاني التي قدمها إلي فضل شاكر لنفس السبب، وهو ما أيده فضل فيه لأنه ليس دمية في يد موظفي روتانا،التي تغريهم بالمقابل المادي أو تحاول إجبارهم علي التنازل دون أسباب أو مبررات مقنعة.

«بلال الزين» لم يكن الملحن الوحيد الذي رفض الانصياع لهذا المخطط، بل هناك أيضا الملحن «وليد سعد» الذي رفض الفكرة جملة وتفصيلا، وأعرب عن استيائه من «عقود التفرغ» ولم يسلم روتانا أية تنازلات حسب الصيغة الجديدة التي تم إعدادها «علي نار هادئة» لتوريط الملحنين في أكبر عملية قرصنة فنية.

بعض من الملحنين اللبنانيين اعتبر الصيغة الجديدة للتنازل لا تليق بأي ملحن عربي يعتز بهويته، لأنها تحوله إلي تاجر يفرح بالثمن بعيداً عن الاحتفاظ بالقيمة الإبداعية، وهو ما يرفضه كل فنان أصيل لأن «نيوز جروب» لا يهمها أي اعتبارات سياسية أو تاريخية إلا فيما يخص نقل التراث الفني إلي إسرائيل.

أما من ناحية اختراق الإعلام العربي، فإنها تعمل جاهدة علي إطلاق قناة أخبارية يتم التحضير لها حالياً إضافة إلي إذاعة روتانا التي يتم إطلاقها مع بداية الشهر المقبل، لتكون إذاعة إخبارية علي نفس الخط السياسي الذي يحظي باهتمام كبير من رجل الأعمال «روبرت مردوخ»، بينما يري ضرورة الاستغناء عن قنوات روتانا غير المربحة أو المؤثرة في المجتمع الشرقي وليس لها دور في الحركة السياسية.

مطلوب جبهة مصرية للتصدي للمؤامرة الخفية

لذلك تبدأ روتانا دمج مجموعة قنواتها الإذاعية في قناة واحدة مع بداية 2011 مع التركيز علي قطاع الأخبار ليكون مركزاً للنقل الإعلامي في الشرق الأوسط ويواكب جميع المتغيرات الإقليمية، وفي ظل الزحف الإعلامي لـ«نيوز جروب» وتحالفها مع روتانا وجمعية المؤلفين والملحنين الفرنسية فإن علي الملحنين والمؤلفين المصريين تشكيل جبهة للتصدي لهذه المحاولات الخفية التي تثبت أنها صدي لأجواء مؤامرة تتربص بالفن الغنائي والموسيقي العربية.

لابد من تضافر جهود المثقفين والفنانين مع وزارتي الإعلام والثقافة في حائط صد منيع يحمي هويتنا وتراثنا المقبل من أية محاولات للعبث به.. فما ضاع من أفلام وتراث غنائي كفيل بأن نضع أعيننا في منتصف رءوسنا حتي لا نفاجأ بأن كل أغانينا قد تم تحويل رصيدها لحساب غيرنا بينما نحن نيام في غفلة من أمرنا.. لابد من وضع عقود التفرغ علي مائدة البحث لكشف عيوبها من الناحية القانونية وتعرية أية ألاعيب وخدع.. فروتانا انهارت وتريد أن تأخذ في طريقها إلي الانهيار ما تبقي من ماء وجه الأغنية العربية.

0 مشاركات:

إرسال تعليق