اليمن السعيد إلى أين؟ بين إصرار الثوار وتشبث صالح بالسلطة

مدونة بانوراما: دخلت الأزمة اليمنية شهرها الثالث مع تزايد حدة الاحتجاجات وحجم المظاهرات والاعتصامات وعدد المشاركين فيها، ما يجعل أحزاب المعارضة البرلمانية المنضوية في ائتلاف "اللقاء المشترك" تشعر بمزيد من القوة والتأييد الشعبي لها، خاصة بعد انضمام وحدات كبيرة وأساسية من الجيش وعدد من الضباط الكبار وعلى رأسهم اللواء علي محسن إلى "ثورة الشباب" وتأييد مطالب المعارضة التي تطالب برحيل فوري للرئيس علي عبد الله صالح؛ الذي ما يزال يرفض أي مطالب بتخيله عن السلطة والرحيل الفوري. ويتذرع صالح ومؤيدوه بـ"الشرعية الدستورية" التي تعني بالنسبة إليهم بقاء صالح رئيساً لليمن حتى نهاية فترته الرئاسية عام 2013 رغم كل هذه الاحتجاجات والدعوات المطالبة برحيله.




وفي هذا السياق يقول عبد الملك الفهيدي، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي الحاكم ورئيس تحرير موقعه الالكتروني، الشرعية تعني التمسك "بحق الشعب الذي انتخب علي عبدالله صالح رئيساً عام 2006". في حين ترى المعارضة أن صالح ونظامه فقد شرعيته بعد كل هذه الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات التي يشارك فيها "الملايين" في مختلف أنحاء اليمن.



وبين تمسك صالح بحقه في الرئاسة وإصرار المعارضة على رحيله، تتفاقم الأزمة اليمنية وتزداد تعقيداً مع مرور الوقت، ويتردد صداها في الخارج أيضاً. إذ أن ذيول الأزمة لا تقتصر على اليمن فقط، ما استدعى تحركاً إقليميا ودولياً بغية إيجاد مخرج للأزمة.



وفي هذا الإطار طرحت دول مجلس التعاون الخليجي مبادرة تدعو صالح وخصومه للحوار في الرياض وبحث حل للأزمة. واقترحت نقل سلطات صالح إلى نائبه وتشكيل حكومة من المعارضة تتولى الإعداد لتعديلات دستورية وانتخابات.



المعارضة وافقت من حيث المبدأ على المبادرة، مع إصرارها على تنحي صالح. أما الجانب الحكومي فقد تأرجح موقفه بين الترحيب في البداية ثم التحفظ والتريث للدراسة، وبعدها أعلن صالح أنه يرفض التدخل الخارجي في شؤون بلاده في رد منه على تصريحات لوزير الخارجية القطري، الذي قال إن مجلس التعاون الخليجي سيعقد اتفاقا يتضمن تنحية صالح.

تصلب المواقف وتفاقم الأزمة
 وقد أُعتبر كلام الرئيس اليمني بمثابة رفض للمبادرة، لكن معسكره يرى الأمر غير ذلك، إذ قال الفهيدي في حوار، إن الرئيس قبل بالمبادرة على أساس أن يكون هناك حوار بين الأطراف السياسية في الرياض، ولكن وزير الخارجية القطري "تحدث عن التنحي، وكأنه يعطي الأمر لصالح بالتنحي، ومن هنا تحولت المبادرة إلى تدخل في شؤون اليمن، وهو مالا نقبله"، حسب الفهيدي.

أما سبب إصرار كل من المعارضة اليمنية والنظام على موقفها، فيرجعه المحلل السياسي الألماني الخبير في الشؤون العربية، ألبريشت ميتسغر، إلى فترة الحكم الطويلة لصالح منذ 32 عاماً، إذ أنه "يتمسك بالسلطة مثل غيره من الرؤساء الذين يحكمون مثل هذه الفترة الطويلة، مثلما يفعل القذافي ويتمسك بالسلطة". ويضيف ميتسغر في حديث، بأن المعارضة من جانبها ترى بأنها محقة في طلبها رحيل صالح، وهي تشعر "أن الأغلبية تؤيدها وأنها اقتربت من تحقيق النصر" عليه، ولهذا يصر كل طرف على موقفه.

لكن صالح ومؤيدوه يرون أنهم ما زالوا يتمتعون بتأييد شعبي كبير والمظاهرات المؤيدة تؤكد ذلك، وأن طلب المعارضة بتنحية الرئيس فيه تجاهل لشريحة واسعة من المواطنين و"عدم احترام لمشاعر هؤلاء". المعارضة بدوها ترفض مثل هذا الموقف وأن كلام النظام عن التأييد الشعبي الواسع ما هو إلا "وهم وغير صحيح"، ويقول محمد الصبري، المتحدث الرسمي باسم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في اليمن، إن مؤيدي صالح ما هم إلا "مجموعة من الذين استفادوا من النظام وعبثوا بموارد البلاد، ولا شك بأن هؤلاء سيبقون مؤيدين له، ولكنهم ليسوا بعشرات الآلاف".

وفي معرض الحديث عن التأييد والشعبية تتهم الحكومة المعارضة بالتهرب من خيار الانتخاب والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، إذ يقول الفهيدي: "إذا كانت المعارضة تثق بنفسها لذهبت إلى الانتخابات". وترد المعارضة على تحدي النظام بالتشكيك في نزاهة الانتخابات، إذ جاء في حديث الصبري "كلنا نعرف الانتخابات في العالم العربي وكيف تتم، وعلى أي أساس وأي قواعد".

خطر القاعدة وانهيار الدولة
هذا ولا يبرر النظام وصالح تمسكه بالسلطة استناداً إلى "التأييد الشعبي" فقط، وإنما يهدد صالح اليمنيين والجيران والغرب بخطر الإرهاب وتنظيم القاعدة وانتشار الفوضى وانهيار الدولة وتقسيمها في حال رحيله الفوري. ميتسغر يرى أن خطر القاعدة قائم وأن "هناك حركات في الجنوب تسعى للانفصال، لذلك هناك خطر فعلاً"، ولكنه يستدرك القول بأن هذا الخطر قائم حتى بوجود صالح في الحكم أيضاً، والذي كان حليفاً قوياً للغرب والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، ولكن الغرب والولايات المتحدة لم تعد "تؤيده وتدعمه كالسابق وطلبت منه الرحيل كما فعلت مع مبارك من قبله".


أما خصوم صالح فإنهم يحملونه مسؤولية تنامي الإرهاب والقاعدة في اليمن، إذ يقول الصبري، إنه ـ أي صالح ـ "أضعف البلد والمؤسسات والمكونات السياسية والأمنية، وإن المحافظات الجنوبية تعيش حالة فراغ وغياب السلطة منذ ثلاث سنوات".

هذا ولا يرى معسكر صالح في رفض المبادرة الخليجية أو عدم نجاحها، انسدادا للآفاق أمام مخرج سلمي للأزمة التي يمر بها اليمن، وأشار الفهيدي في هذا السياق إلى انفتاح الحكومة وحزب المؤتمر الشعبي الحاكم على أي مبادرة لحل الأزمة عبر الحوار، ولكن بشرط أن تكون "متوافقة مع الدستور وتضمن انتقالاً ديمقراطياً سلساً للسلطة".

لكن المشكلة تكمن في أزمة الثقة القائمة بين الرئيس صالح وخصومه، والتي اختصرها محمد الصبري بالقول أن "المشكلة بالحيل والخداع الذي يقوم به صالح وجماعته".



أما البريشت ميتسغر، فإنه غير متفائل بتجاوز اليمن لأزمته قريباً، ويرى بأنه لابد من رحيل الرئيس صالح، ولكنه يخشى بأن "يرفض التنحي مع وجود خطر حرب أهلية".



وما بين القبول والرفض للمبادرات يستمر الثوار اليمنيون في احتجاجاتهم واعتصاماتهم ويتمسكون بمطالبتهم لصالح بالرحيل، على أمل الانتقال إلى مستقبل ومرحلة جديدة والقطيعة مع الماضي وعهد صالح، الذي يتشبث من جانبه بالسلطة ويحشد مؤيديه. والنتيجة ارتفاع وتيرة العنف في الشارع اليمني يوما بعد يوم، وسقوط عشرات القتلى وآلاف الجرحى، ما يجعل مستقبل "اليمن السعيد" في مهب الريح... 

0 مشاركات:

إرسال تعليق