تخلف

تخلف

للتطور مقاييس ومعايير دولية تحدد موقع الدول في تقسيمات التطور والتقدم، وعلى العكس من ذلك، فإن التخلف لا معايير له، فالتراجع في معدلات النمو والتعليم والصحة والحريات والاستقرار النفسي والمعيشي والمالي، هو من مؤشرات التخلف، ولا تسعى الأمم والشعوب إلى التخلف، ويحاول الشخص السوي ألا يتخلف في حياته، بل يستمر في الكفاح بالحياة لتحقيق النجاحات وإنجاز الطموحات.

والتخلف كلمة حديثة بمدلولاتها الاجتماسية (الاجتماعية - السياسية)، وهي مشتقة من جذر خلف، والخلف عكس السلف، والكلمتان مرتبطتان بدعاء شائع: «اللهم اجعله خير خلف لخير سلف»، ومنها خلف بمعنى وراء، والخلوف رائحة بقايا أكل الصائم، كما وردت في الحديث، والخَلْفة الناقة التي تدر الحليب وجمعها في لهجة أهل الخليج خلفات، والخِلْفة هي الأولاد. والتخلف العقلي مرتبط بالحالة العقلية ومستويات الذكاء لدى الأفراد، ويجادل البعض بأنها يمكن أن تكون حالة جماعية، أي أنها يمكن أن تصيب جموعا وأمما بأكملها.

وارتبطت كلمة التخلف بكلمة الرجعية إبان المد الثوري في الستينات، وتعاكست الكلمتان بالمعنى مع كلمة التقدمية. ومن الأخطاء الشائعة ارتباط التخلف بالقمة، فيقال: «قمة التخلف»، فالتخلف قاع وليس قمة، ويرتبط التخلف بالنهايات، حيث يقال: منتهى التخلف، وهو مصطلح منطقي في عالم العقل والمنطق، ولكن التخلف في عالمنا العربي والإسلامي بلا منطق، وليس له منتهى، فكلما اعتقدنا أن أمرا ما هو «قمة ومنتهى التخلف» فاجأنا أمر مستجد يجعل من سابقه قمة التقدم والتطور.

فعالمنا العربي العتيد يعج بمظاهر للتخلف مثيرة للشفقة جدا. حيث يأخذ أشكالا ونماذج عديدة. من حالات التخلف الثقافي أن مكتبتنا العربية تعج بردود بالعشرات على كتاب تافه لكاتب مغمور هو سلمان رشدي «آيات شيطانية»، ولكن الكتاب منع وما زال ممنوعا، فكيف ترد على شيء ممنوع وغير متوفر ولا هو بموجود؟ المشكلة - التخلف أن منع الكتب لا يزال يمارس في عالمنا حتى يومنا هذا، في عز ثورة الإنترنت والقدرة على تحميل أي كتاب من أي مكان وبأية لغة كانت!

من مظاهر التخلف السياسي، أن العراق لا يزال بلا حكومة بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على تصويت ملايين العراقيين لحفنة من المرشحين، والأكثر تخلفا أن إرادة هذه الملايين التي صوتت يتم تجاهلها وتجري مشاورات تشكيل حكومتهم في طهران التي تصارع تشكيكا في صحة انتخاب رئيسها أصلا!

ياسر الحبيب شخصية دينية كويتية موتورة ومشبوهة، وهارب إلى لندن منذ شهور، سب وشتم عائشة بنت أبي بكر - زوجة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - وهي التي توفاها الله منذ أكثر من أربعة عشر قرنا. غاية التخلف أن تجعل من شتم وسب الموتى منهجا فكريا وسياسيا. الحكومة الكويتية سحبت جنسية الحبيب عقابا له!! كانت الكويت قد سحبت جنسية سليمان بوغيث المتحدث باسم «القاعدة» الذي انقطعت أخباره. ما دخل الجنسية بما يقوله شخص ما مهما شذ قوله واعوج رأيه؟

أصوات التخلف تعالت احتجاجا على منع فرنسا وبلجيكا للنقاب في الأماكن العامة: بسيطة، لا تذهبوا إلى فرنسا وبلجيكا فأرض الله واسعة، وبلاد المسلمين - ولله الحمد والمنة - من باكستان شرقا وحتى مراكش غربا، ومن لا يعجبه قانون فرنسا ويصر على لبس النقاب فيها فليخرج منها حفاظا على نقابه! بل فليعتبر خروجه منها جهادا هربا وبدينه، تيمنا بالمسلمين الأوائل الذي فروا بدينهم للحبشة ثم إلى يثرب بسبب تضييق كفار قريش عليهم.

قمة ومنتهى التخلف في مناهج تعليمنا التي لا تزال تخلط تعليم المعتقدات الراسخة بالعلوم المتحركة، ثم ننظر في مخرجات تعليمنا ونمطّ شفاهنا استغرابا لمؤشرات «التخلف» في عالمنا.

0 مشاركات:

إرسال تعليق