مادة الـ«كاميليا».. والضيوف!

مادة الـ«كاميليا».. والضيوف!

الحديث عن أزمة طائفية تستعد للانفجار في مصر مبالغ فيه، ولكن هناك ظواهر مزعجة ومقلقة لا يمكن إنكارها، وبسببها يتلاعب البعض بأمزجة الناس ويهددونهم بشرارة الفتنة الطائفية.

وأبطال هذا المشهد الآن في مصر باتوا معروفين، والحديث المستمر أن السيدتين القبطيتين «وفاء» و«كاميليا» قد تحولتا إلى الدين الإسلامي وأنهما محجوزتان في أديرة مهجورة تحت إشراف الكنيسة نفسها لمنعهما من التواصل مع الناس ومع الإعلام، وعلى الرغم من أن السيدة كاميليا بالذات خرجت في شريط تنفي فيه تماما اعتناقها الإسلام، فإن هناك من يواصل الحملة «لإنقاذ» كاميليا، وأقيمت المواقع على الإنترنت «لدعم» كاميليا، و«أخرجت» الصور لها بالتقنية الحديثة لتظهرها في حجاب أو في نقاب، كل ذلك للعب بعواطف الناس، محولة «كاميليا» إلى مادة شعبية، ومن المؤكد أن مصير «وفاء» هو الأكثر غموضا ولا توجد معلومات كافية للتعليق على وضعها، إلا أن كل هذا الهيجان واضح أنه موجّه لأجل أغراض سياسية أخرى، ولكن في وسط هذه المعمعة خرج الرجل الثاني في الكنيسة القبطية المصرية الأنبا بيشوي ليصرح بأقوال، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غبية واستفزازية، فهو يصرح بأن المسلمين المصريين هم ضيوف على مصر. أيّ منطق يتحدث به هذا الرجل؟ ضيوف يشكلون أكثر من 90% من سكان البلاد؟ ولم يكتفِ بيشوي بهذا القول الغريب، ولكنه أضاف أنه يعتقد أن القرآن أضيفت إليه بعض الآيات خلال فترة الخليفة الراشد الثالث سيدنا عثمان بن عفان، رضي الله عنه، التي تحرض على كراهية أهل الكتاب. طبعا هذا قول آخر لا يمكن أن يوصف إلا بالحماقة لأنه يعلب بنار تأجيج مشاعر الأغلبية الساحقة من سكان بلاده وبمشاعر مئات الملايين من المسلمين حول العالم، وكان حريا به أن يكون لديه الحصافة والحكمة قبل أن يتفوه (علما بأن بيشوي نفسه له هفوات وسقطات سابقة معروفة تقع في نفس السياق).

وجاء البابا شنودة رأس الكنيسة القبطية «لمعالجة» الموضوع في ظهور إعلامي مقنن على التلفزيون الرسمي المصري وفي وقت ذروة المشاهدة ومع رئيس قطاع الأخبار فيه عبد اللطيف المناوي، ليقول في اللقاء إنه شعر بأسى لما تسبب به كلام الأنبا بيشوي من جرح مشاعر المسلمين، ولقي هذا القول ارتياح الناس لأنه جاء سريعا بعد كلام بيشوي ومن كبير الأقباط نفسه، ولكن الموقف سرعان ما عاد ليتأجج مجددا لأنه في اليوم التالي مباشرة نفى البابا أن يكون قد قدم اعتذارا! مما سبب تشددا في أوساط الأقباط أنفسهم أولا، فمنهم من لم يفهم الموقف البابوي واعتبر ذلك «ميوعة» وإحراجا للأقباط، بل إن أحد النشطاء قرر أن يقاضي بيشوي وقام بالفعل برفع دعوى عليه، وهناك فريق آخر استغل الموقف «الرمادي» للبابا ورفض مبدأ الاعتذار لأن ذلك لا يليق بمقام البابا، وانفلتت المسائل لتتحول إلى اعتصامات ومظاهرات وفوضى غير مسبوقة لا تخلو من السباب والشتائم بشكل لا يليق أبدا ببلد احتضن المسيحية والإسلام لسنوات طويلة.

الأنبا بيشوي، الذي كان مرشحا لخلافة البابا شنودة بعد رحيله، كتب على نفسه عدم الحصول على هذا المنصب لأنه لا يمكن أن يتبوأ رأس الكنيسة القبطية رجل يظاهر بهذا الكم من البغض في حق الأغلبية الساحقة من سكان بلاده المسلمين، لأن القيادة السياسية في مصر من الطبيعي أنه سيكون لديها تحفظ كبير على اختياره لهذا المنصب إذا ما تم.

التطرف والأصولية توغلا وبقوة في الخطاب الديني بمصر، المسيحي والإسلامي منه، وهي آفة ابتليت بها دول عربية كثيرة ولها ملامح واضحة في مواقع مختلفة على الساحات العامة الإعلامية والسياسية والفكرية والثقافية، واستمرار التعاطي معها على أن هناك فريقا ضد آخر سيؤجج الوضع ويزيده اختناقا. شيء ما حدث، شيء ما كريه دخل على الخط، إنه لسان التشدد والتنطع والتطرف الذي لا يرى إلا بعين نفسه، وبالتالي لا يرى الصورة الكاملة التي أبدع الخالق عز وجل في تصويرها. إنها صورة التنوع البشري بكل ما فيه، وهذه لعمري إحدى أعظم آيات الله التي علينا تدبرها واحترامها والعمل من خلالها، لا بالعمل على إلغائها!

0 مشاركات:

إرسال تعليق