التحذيرات من الإرهاب: التزموا الدقة أو الصمت

التحذيرات من الإرهاب: التزموا الدقة أو الصمت

«تحذر وزارة الخارجية الأميركية رعاياها بشأن احتمال وقوع هجمات إرهابية في أوروبا.. ربما يقع اختيار الإرهابيين على مجموعة متنوعة من السبل والأسلحة، واستهداف مصالح رسمية وخاصة. نوجه عناية المواطنين الأميركيين لإمكانية مهاجمة الإرهابيين أنظمة النقل العام أو عناصر أخرى من البنية التحتية السياحية. وقد سبق أن استهدف الإرهابيون وهاجموا أنظمة أنفاق وقطارات، بجانب خدمات جوية وبحرية. ينبغي على المواطنين الأميركيين اتخاذ كافة الاحتياطات لضمان أمن محيطهم، واتباع إجراءات السلامة المناسبة لحماية أنفسهم أثناء التنقل». كان ذلك نص التنبيه الصادر عن وزارة الخارجية بشأن السفر في الـ3 من أكتوبر (تشرين الأول).

وباعتباري أميركية تعيش في أوروبا، أجد لزاما عليّ أن أصف شعور أمثالي لدى سماعهم تحذيرات على غرار ذلك الصادر الأحد.. لا نحرك ساكنا.

ويتمثل السبب الأول والأهم وراء رد فعلنا هذا في أنه ليس في مقدورنا ما نفعله، ذلك أنه إذا لم تتحل وزارة الخارجية بقدر أكبر من الدقة والتحديد - مثلا: «لا تذهبوا لبرج إيفل غدا» - فإن المعلومات التي تطرحها على مثل هذا المستوى من التعميم تخلو من معنى حقيقي. فيما عدا هجمات باستخدام أسلحة دمار شامل، فإن فرص تعرض المرء لحادث سيارة أثناء عبوره الشارع لا تزال أكبر من فرص وجوده على متن طائرة أو قطار أنفاق يتعرض لهجوم. إضافة إلى ذلك، ليس بإمكان أي شخص يعيش أو يعمل بمدينة أوروبية كبيرة (أو حتى صغيرة) أن يتجنب إلى الأبد الاقتراب من مؤسسات «رسمية أو خاصة» مرتبطة بمصالح أميركية، مثل فندق «هيلتون» أو متجر لـ«أبل»، ناهيك عن القطارات والأنفاق والطائرات والقوارب وجميع صور النقل العام الأخرى.

ويتمثل سبب ثان في عدم إقدامنا على فعل شيء في غموض لهجة التحذير لدرجة تثير التساؤلات لدى الكثيرين حول السبب وراء إصداره من الأساس. من البديهي أنه إذا كانت الحكومة الأميركية على علم بهوية الإرهابيين والأهداف التي ينوون مهاجمتها، كانت ستلقي القبض عليهم وتمنعهم. أما إذا كانت الحكومة لا تدري سوى أن الإرهابيين يستهدفون «بنية تحتية سياحية» ووسائل نقل عام، فإن هذا يعني أنها لا تدرك شيئا مطلقا.

وفي هذه الحالة يبقى التساؤل: لماذا تخبرنا الحكومة بالأمر إذن؟ منذ إعلان التحذير عبر القنوات التلفزيونية، صباح الأحد، ظهر الكثير من التكهنات. وحتى الآن، اطلعت على نظرية مؤامرة واحدة على الأقل مكتملة الأركان، حيث يعتقد البعض أن واشنطن أصدرت هذا البيان لبث الذعر في نفوس الأوروبيين، ودفعهم نحو مستوى أكبر من التعاون الاستخباراتي، وبصورة خاصة إقناع الأوروبيين بالموافقة على نظام جديد لتبادل بيانات الركاب عبر الخطوط الجوية.

وتشير شائعات أخرى إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تعتقد أن «القاعدة»، أو الجماعات الموالية لها، تخطط لشن هجمات متزامنة ضد فنادق في مدن أوروبية كبرى، على غرار ما حدث في فندق «تاج محل» في «مومباي» عام 2008. وطبقا للشائعة، فإن هذه المعلومة من المفترض أنها جاءت من تحقيق أجري الصيف الماضي.

إلا أنه حتى إذا امتلكت وكالات الاستخبارات الأميركية معلومات بهذه الدقة والأهمية - وأؤكد أنني لا أملك شخصيا دليلا على أنهم يمتلكون معلومات كتلك - فإنه يظل من غير المنطقي أن تخطرنا وزارة الخارجية بضرورة أن نبقى حذرين ومتيقظين أثناء وقوفنا إلى جانب أي كيان أميركي، لأنه حتى لو التزمنا بهذا الأمر اليوم، فلن نلتزم به غدا.

وقد حدث مثل هذا الأمر من قبل، عام 2004، عندما وصل موظفو صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن لمقر عملهم ليجدوا أنفسهم فجأة محط اهتمام إعلامي، حيث عثر على خرائط ومعلومات مفصلة عن مكاتبهم على حاسب آلي متنقل في أفغانستان، وبالتالي صدر تحذير أمني. إلا أنه بطبيعة الحال لم يكن من المنطقي الإبقاء على حالة من التيقظ والترقب إلى أجل غير مسمى داخل مبنى يرتاده المئات يوميا، يحمل كثير منهم ملامح أجنبية مثيرة للارتياب. وبطبيعة الحال، سرعان ما طوى النسيان هذا التحذير، وعاود الجميع عملهم بصورة طبيعية.

في الواقع، إن الوحيدين الذين بإمكانهم الاستفادة من مثل هذه التحذيرات هم المسؤولون الذين أصدروها. فإذا وقع أمر، فإنهم بذلك ضمنوا تغطية موقفهم، فهم حذرونا وأخبرونا مقدما، وبالتالي لن يتعرضوا لانتقاد أو يجبروا على الاستقالة.

أما إذا لم يحدث شيء، فنحن جميعا سننسى الأمر على أي حال.

بمرور الوقت، تخدم مثل هذه التحذيرات «القاعدة» أيضا، فهي تبث الخوف في نفوس الناس من دون سبب. وبأقل مجهود منه، يصبح بإمكان أسامة بن لادن تقويض شعورنا بالأمن والسلامة. في الوقت ذاته، تضع هذه التحذيرات الحكومة الأميركية في موقف صاحب البلاغ الكاذب، وكلما زاد الطابع العام لمثل هذه التحذيرات، تضاءلت إمكانية أن نعبأ بها. ربما يساورنا القلق والتوتر بالفعل، لكننا نجهل ما ينبغي علينا فعله، لذا لا نفعل شيئا، ويتولد داخلنا شعور بأنه كان من الفضل لو أن أحدا لم يخبرنا شيئا من البداية.

* خدمة «واشنطن بوست»

0 مشاركات:

إرسال تعليق