طفرة الانترنت العربية

alt

هناك ملامح طفرة قادمة للانترنت العربية, وأعني بذلك بروز شركات عربية ناشئة يتم الاستثمار فيها رسمياً لتنتج خدمات وتطبيقات تستطيع من خلالها الحصول على عوائد مادية سواء من الإعلانات أو من بيع هذه المنتجات للفئة المستهدفة سواء كانوا أفراداً أو شركات. الطفرة تتحقق عند ازدياد أعداد هذه الاستثمارات ليكون حديث المجتمع ويدخل بها الكبير والصغير مثلما كان حديث المجتمع استثمارات العقار والأسهم. عملية استحواذ ياهو على مكتوب بـ 160 مليون دولار هي الدفعة التي سيتذكرها الجميع على أنها التي سرّعت من عملية التغيير في الانترنت العربية, فالصفقة ببساطة عبارة عن دليل على أن الأمر ممكن وليس عبارة عن أحلام.

النظرة هذه مبنية على حقائق, منها التغييرات الكبيرة التي حصلت خلال السنوات القليلة الماضية وبالتحديد منذ عام 2008, حيث بدأت مؤتمرات عرض مشاريع الانترنت على المجتمع تزداد في الإمارات والسعودية ومصر والأردن على وجه التحديد, وبدأت الانترنت العربية تنتقل من المنتديات إلى مواقع خدمية مختلفة وجديدة وإن كان بعضها يحاكي المواقع الغربية ولكنه يخدم السوق العربي وليس في ذلك عيب فمواقع الانترنت في دول مثل الصين والهند وروسيا تحاكي ما يحصل في الغرب لتخدم أسواقها المحلية.

هذه التغييرات الكبيرة بدأت بالتسارع أخيراً, فمؤتمر مثل الديمو كامب في دبي Demo Camp Dubai والذي بدأ في أواخر 2007 بحضور قليل للغاية وبعرض 4 مشاريع فقط, توسع ليصل الحضور إلى 200 شخص وعرض 6 مشاريع تم اختيارها من بين 40 مشروع تقدم للمؤتمر. يحضر هذا المؤتمر عدد كبير من المهتمين في هذا المجال ابتداءً من مطوري المواقع, الإعلاميين, شركات الاستثمار ومختلف الجهات الرسمية الداعمة لها على رأسهم مدينة دبي للانترنت التي تبنت دعم المؤتمر, بالإضافة إلى هيئة دبي للكهرباء والمياه والتي عرضت تطبيقات خاصة بها على جهاز الايفون والبلاك بيري, الأمر الذي يشير إلى أن اهتمام الجهات الرسمية بهذا المجال بدأ في ازدياد.

ظهرت عدة شركات في المنطقة العربية للاستثمار الجريء أو المغامر أو ما يسمى بالفنتشر كابتل فيرمز, ويطلق عليهم VCs اختصاراً. منهم على سبيل المثال:

Intel Capital, N2V, Dubai Silicon Oasis, ICT Ventures, Envestors, Tiger Global Management, Abraaj Capital, Jabbar Internet Group

هذا فقط على سبيل المثال لا الحصر, فالاعتقاد أن المستثمرين في هذا المجال غير موجودين أصبح قديماً, بل هم موجودون وبعض يرى أن عددهم أخيراً أصبح يفوق عدد الشركات الناشئة أن صح التعبير! هؤلاء هم اللاعبين الذين سيدفعون في تغيير وجه صناعة الانترنت في العالم العربي، فالشركات هذه تملك المال والعلاقات والخبرة في دفع المواقع التي تستثمر فيها إلى مستويات أفضل، الأمر الذي سينعكس بشكل مباشر على المستخدم العربي.

مثال آخر على التغيير الحاصل في المنطقة العربية هي ظهور مواقع مثل GoNabit و Cobone والتي تعمل في مجال التجارة الالكترونية التي تركز على استخدام بطاقة الائتمان في إنهاء المعاملات، وهو أمر كان ولا يزال يعتقد الأغلبية أن منطقتنا ليست جاهزة له، ومع هذا فالإقبال على هذه المواقع أثبت العكس، وحجم المشتريات من موقع امازون من المنطقة العربية أثبت العكس أيضاً. أن الخلل ليس في عدم انتشار بطاقات الائتمان في المنطقة، بل نسبة كبيرة من الخلل تصب في احترافية الموقع الذي يقدم الخدمة.

ظهرت أيضاً في الفترة السابقة مواقع متخصصة فقط في متابعة جديد المواقع في العالم العربي والتي تعمل في هذا المجال مثل ارب كرنش وستارت اب اريبيا واللذان يعدان مرجعاً للمهتمين في هذا المجال في المنطقة.

كل هذا حصل أخيراً، ولم يكن موجوداً منذ أكثر من 5 سنوات فقط, وهو يتسارع بشكل كبير قد لا يشعر به إلا المراقب والمدقق على سوق الانترنت في العالم العربي.

برأيي, النقاط التالية هي بعض العوامل الرئيسة التي تحتاجها الطفرة لتتسارع بشكل أسرع:

  • زيادة وعي رواد الأعمال

لأن هذا الأمر جديد على المنطقة، فهناك فراغ يجب ملئه من جانب الوعي عند الشباب من رواد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة في قطاع الانترنت. يجب أن يعرفوا تفاصيل عمل شركات الاستثمار وماذا يهمهم وماذا يهم السوق من خدمات وحلول. كتب أحمد طقاطقة عدة مواضيع عن هذا المجال مثل سلسلة تقييم شركات الانترنت الجزء الأول والجزء الثاني ويمكن الاستزادة من خلال مدونته على هذا الرابط.

يلوم بعض الشباب الشركات الموجودة في المنطقة العربية والتي تستثمر في شركات الانترنت على أنها بطيئة وأحياناً تخاف أن تستثمر بحجة أن المشروع عبارة عن فكرة أو أنه لم يثبت نجاحه بعد، وأنها ليست جريئة ومغامرة كما يشير اسمها وكما يحدث في الغرب! هذا الكلام صحيح، ولكن لسبب واقعي جداً. الموضوع بأكمله جديد علينا كلنا ومن الطبيعي أن يكون لدى الشركات تخوف من خسارة الأموال المستثمرة، تجدهم يدرسون الوضع بحذافيره ويتجنبون في كثير من الأحيان الاستثمار في المشاريع التي تكون عبارة عن فكرة لأنهم يرغبون بمشاريع موجودة وأثبتت نجاحها المرحلي ويستثمرون بها في المراحل الأولى (Early Stage Investment) وقبل أن تكبر بشكل كبير, وكل ذلك لأن عامل المخاطرة يكون أقل من مجرد الاستثمار في فكرة! في نفس الوقت نجد شركات الاستثمار الجريء في الغرب تستثمر في الأفكار، ولكنهم لم يدخلوا في هذا النفق إلا لوجود سوق ناضج أثبت نفسه وشاهدوا على مدى السنوات الماضية كيف تحولت شركات كانت مجرد أفكار إلى شركات مدرجة في الأسواق المالية، فالتاريخ السابق لأسواقهم يدعم ويؤيد الأخذ بالمخاطرة والاستثمار في المشاريع التي تكون عبارة عن فكرة أو تملك نموذج أولي فقط. أما عندنا، فليست لدينا قصة نجاح إلا مكتوب! وليست لدينا عشرات الأمثلة لشركات تم الاستثمار فيها عندما كانت فكرة أو نموذج أولي وتحولت إلى قصة نجاح، فعلى أي أساس نريد أن تغامر شركات الاستثمار بأموال المستثمرين؟

إذا كان رائد الأعمال شخص له ماضي ناجح جداً ورغب بإنشاء شركة جديدة، سنجد الشركات تستثمر فيه بدون تردد لان له تاريخ سابق ناجح والمخاطرة معه أقل بكثير من شخص غريب لا يعرفون عنه شيء.

  • زيادة اهتمام الجهات الرسمية

اهتمام مدينة دبي للانترنت في مؤتمر مثل الديمو كامب يعطي دفعة لهذا المجال, وهو بحد ذاته حدث لربط المستثمرين بالشركات الناشئة لأخذها إلى المرحلة التالية من التطوير، فوجود اهتمام حكومي سيسرع الأمور بكل تأكيد.

على رواد الانترنت في مختلف البلدان العربية التكاتف والاجتماع مع مسئولي الحكومات لتسهيل أي عقبات تواجههم، فالتواصل بين الجهتين مهم للغاية ولن تتم الأمور بدون التواصل بشكل مستمر وتبيين وجهات النظر وكيف أن الموضوع يفيد الاقتصاد الكلي بشكل مباشر ابتداءً باستحداث وظائف ومروراً بجذب الاستثمارات وانتهاءً باستخدام المساحات المكتبية والسكنية لكثير من المشاريع العقارية المبنية حديثاً. دولة مثل الصين كانت تحارب الانترنت في بداياته وكان لرواد الانترنت الصينيين دور كبير جداً في تغيير صورة الانترنت عند الحكومة وكيف أنه سيكون في مصلحة دفع اقتصاد البلد واستفادة الجميع من الموضوع.

  • زيادة اهتمام الجامعات

بعض الجامعات تعمل على تقديم ما يتطلبه سوق العمل، وكل ما كان صوت الفرص الموجودة على الانترنت أعلى كل ما كانت الجامعات على استعداد في تقديم المطلوب. اهتمام الجامعات بتدريس تقنية المعلومات من جانب تقني حديث وواقعي مطلوب ويكمن هنا دور مديرو أقسام تقنية المعلومات في هذه الجامعات في دفع هذه العجلة ويجب دعوتهم إلى ملتقيات التقنية والمؤتمرات كي يشاهدوا إلى أين يتجه هذا العالم، فتطبيقات الهاتف المتحرك بدأت تكتسح السوق وعليهم التفكير بشكل جدي في تدريس تطبيقات الايفون والاندريود بدلاً من الفجول بيسك.

  • زيادة اهتمام الإعلام

تبني الإعلام لهذا الموضوع أمر جوهري للغاية، فالتركيز الإعلامي لهذا القطاع سيجعل المجتمع واعي بما يحدث وسيجذب إليه الجميع ومنهم المستثمرين بعد الفراغ الاستثماري الذي تكون بعد طفرة العقار والأسهم.

أنا على علم أن هناك عشرات الاجتماعات والنقاشات بين عدد أصحاب المشاريع والمستثمرين وسيترجم عدد منها إلى صفقات يعلن عنها لاحقاً. إذا افترضنا أن هناك صفقة واحدة فقط كل 3 أشهر سواء استثمار في شركة انترنت عربية أو استحواذ أو حتى دمج, بمعنى 4 صفقات معلنة في السنة, أليس هذا الأمر جديد على سوق الانترنت العربي؟ ألا يعد هذا كافياً للفت انتباه وأنظار الجميع إلى هذا القطاع؟ وإذا تم هذا الأمر, فهل سيبقى على ما هو عليه أم سيزيد وينتقل إلى مراحل أخرى أكبر ونصل إلى مرحلة ما يسمى بالطفرة بحيث يدخل فيها جميع شرائح المجتمع، كما حصل في قطاع الأسهم والعقار.

0 مشاركات:

إرسال تعليق