الأمن الإلكتروني في إدارة اوباما

الأمن الإلكتروني في إدارة اوباما
باتت قضية الأمن الإلكتروني تُشكل هاجسًا متزايدًا لدي دوائر صنع القرار الأمريكي، وداخل الأروقة البحثية الأمريكية منذ أن تعرضت مصالح وهيئات حكومية كبري لضربات إلكترونية موجعة عام 2007 كان في مقدمتها وزارات الدفاع والخارجية والأمن القومي والتجارة.
بالإضافة إلي وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" وجامعة الدفاع الوطني National Defense University. كما جري اختراق البريد الإلكتروني لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق والحالي "روبرت جيتس".
إذن الحرب الإلكترونية باتت حقيقة واقعة لا جدال فيها. فعمليات القرصنة والتجسس تطورت من مجرد هجمات عشوائية إلي جرائم منظمة بفعل مجموعات غير رسمية تستهدف الإنترنت التجاري Commercial Internet مثلما حدث مع إستونيا في إبريل ومايو 2007 أو حتي مجموعات رسمية تمثل دولة بعينها تستهدف قدرات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، وفي هذا الإطار تبدو كل من الصين وروسيا مصدر تهديد جدي للقوة الأمريكية.

وفي الآونة الأخيرة اهتمت مراكز الأبحاث الأمريكية بجانب المؤسسات التكنولوجية الأمريكية بتلك القضية. وفي إطار هذا الاهتمام نشرت مؤسسة التراث البحثية الأمريكية مقالة أعدها جيمس جاي كارافانو وإريك سايرز في ديسمبر الماضي بعنوان "بناء قيادة أمنية إلكترونية للقرن الحادي والعشرين" Building Cyber Security Leadership for the 21st Century. هدفت إلي الوقوف علي طبيعية هذا التهديد الأمني الجديد، وتقديم توصياتها لإدارة أوباما لتعزيز أمنها الإلكتروني. بحسب موقع تقرير واشنطن.

التحدي الأول أمام أوباما
تواجه الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس الأمريكي الجديد، باراك أوباما، تحديًا يتمثل في الرغبة في الحفاظ علي الأمن الإلكتروني ووضع استراتيجية تضع في الاعتبار الجوانب المحلية والعالمية للقضية خاصة مع تزايد اعتماد الأمريكيين علي شبكة الإنترنت في إجراء معاملاتهم البنكية والاستثمارية فضلاً عن الاتصالات الإلكترونية ومتابعة الأخبار، وبين خوف من الوقوع في فخ انتهاك الخصوصية بما يعد تعديًّا علي الحريات المدنية للمواطنين الأمريكيين.

واليوم أصبح السؤال الملح هو: ما الطريقة المثلي للتعامل مع هذا الخطر غير المرئي العابر للحدود الذي يكاد يكون غير مكلف بالنسبة لفاعله، لكنه يضرب الجهة المستهدفة في مقتل؟. خطورة السؤال يمكن إدراكها بسهولة إذا ما تخيلنا وقوع هجوم عالمي كبير ناتج عن انهيار في شبكة الإنترنت يتسبب في تعطيل حركة التجارة والنقل والاتصالات الدولية، أو إذا ما تعرضت الولايات المتحدة وحدها لهجوم منفرد ومركز مثلما كان الحال مع إستونيا بما يلقي تبعاته علي الاقتصاد الأمريكي.

الجواب الذي توصلت إليه بعض الدراسات الحديثة الصادرة عن عدد من المراكز البحثية الأمريكية في الفترة الأخيرة يشمل ثلاثة محاور، وهي: إنشاء إدارة جديدة معنية بالأمن الإلكتروني ووضع برنامج استراتيجي يعمل علي خلق قيادات إلكترونية قادرة علي مواجهة تحديات العصر للحفاظ علي الأمن القومي الأمريكي داخل الإدارة الأمريكية والقطاع الخاص، بالإضافة إلي تعزيز شبكة التعاون والعلاقات بين الحكومة الأمريكية والقطاع الخاص.

الصين مارد الحرب الإلكترونية
المثير في الأمر أن أمريكا التي تشكو الآن من خطر الحرب الإلكترونية واحتمال تعرضها لضربة قوية تشل حركتها هي التي بدأت هذه الحرب عام 1991 عندما شن سلاح الجو الأمريكي حربًا إلكترونية في حرب الخليج الثانية عبر استهداف قدرات الأنظمة الدفاعية العراقية وتدمير البنية التحتية للاتصالات.

وفي هذا السياق تحدث مايك ماكونيل Mike McConnell مدير المخابرات الوطنية الأمريكية للمرة الأولي عن خطورة الحرب الإلكترونية علي الأمن القومي ضمن شهادته حول التهديدات السنوية المفترضة Annual Threat Assessment لعام 2008 معترفًا أن أمريكا ليست علي استعداد للتعامل مع أي تهديد إلكتروني لبنيتها المدنية والعسكرية وإن كانت المؤسسة العسكرية هي الأكثر تمتعًا بالحماية من الحكومة الفيدرالية والقطاع الخاص.

كما تحدث الصينيون عن هذا المفهوم من قبله وبوضوح قائلين :إنها ستكون ركنًا هامًا من أركان الحرب في المستقبل ولهذا فمن الطبيعي أن تكون أمريكا علي رأس الدول المستهدفة سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا. وكما تشير المطبوعات العسكرية الصينية فإن جيش التحرير الشعبي الصيني People's Liberation Army 'PLA' شن هجمات إلكترونية متكررة علي شبكة عسكرية أمريكية هي شبكة "سي 4 آي إس آر" C4ISR Network.

وقد رصدت وزارة الدفاع الأمريكية خططًا صينية لتطوير وتحسين قدراتها القتالية الإلكترونية. وفقَ تقريرٍ للبنتاجون حول القدرات العسكرية للصين صدر عام 2006، فإن الجيش الصيني يحاول ضمان توفر المعدات والخبرات المدنية في الكمبيوتر لتساعده في تدريباته وعملياته، كما يستعين الجيش الصيني بالأكاديميين ومعاهد وشركات تكنولوجيا المعلومات لدمجهم في وحدات دعم للجيش في العمليات العسكرية.

لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة هي وحدها المستهدفة من الصين فحسب صحيفة "دير شبيجل" الألمانية فإن الصين مارست عمليات القرصنة الإلكترونية علي أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالإضافة إلي أنظمة ثلاثة وزراء آخرين هم وزراء الخارجية والاقتصاد والأبحاث منذ نحو عام، لكن السفارة الصينية في برلين نفت الاتهامات ووصفتها بأنها "افتراض غير مسئول دون وجود دليل".

هجمات غير مكلفة تحدث شللاً تامًّا
وبالرغم من أن تنفيذ هجوم إلكتروني لا يقتضي المركزية بمعني أن الهجوم قد ينفذ من قبل عدة جهات في دول مختلفة في التوقيت ذاته، إلا أن الفضاء الإلكتروني يظل معتمدًا علي وجود شبكة من خوادم الكمبيوتر Servers وكابلات الألياف البصرية fiber-optic cables ونظام ضخم من الكابلات يمر عبر محيطات العالم وبالتالي يمكن طرح إمكانية فرض عقوبات علي الدول التي تستضيف منفذي هذه الهجمات إذا رفضت التحرك ضدهم.

وتنقسم مجموعات الهاكرز إلي قسمين الأول يسمي بـ "القبعات السوداء" أو Black Hats عبارة عن مجموعة أفراد يتحركون من دون تنظيم لاستغلال فراغ أمني موجود أو لارتكاب جرائم إلكترونية مثل سرقة الهويات والحسابات البنكية، أما القسم الثاني فهم المحاربون الإلكترونيون Cyber Warriors الذين يهدفون إلي تحقيق أغراض سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو حتي اجتماعية.

وتعتبر الأداة الأكثر انتشارًا لشن هجوم إلكتروني هي ال"بوتنت" Botnet وهي عبارة عن شبكة من أجهزة الكمبيوتر التي تم ربطها بكود معين يمكن التحكم فيها عن طريق كمبيوتر واحد فقط هو "بوت هيردر" Bot herder أو "بوت ماستر" Bot master، فإذا تم حشد قوة آلاف الكمبيوترات سويًّا يمكن استخدامها لإطلاق هجمات تؤدي لإغلاق المواقع الإلكترونية المستهدفة Denial-of-service.

تعزيز الكوادر البشرية المؤهلة لمواجهة التهديدات
تري المقالة أن التنافس في مجال الإلكترونيات يتطلب العمل علي تطوير القدرات البشرية لتعزيز القدرة علي المنافسة وهو ما يعني ضرورة العمل وفق نظام مهني للتنمية تدعمه شراكات تعاون بين القطاعين العام والخاص.

وتقول الدراسة: إن أمريكا تفتقر للمؤسسات المؤهلة القادرة علي تقديم هذه الخدمة. وبناء عليه فإنه يتوجب إنشاء جهاز حكومي للاضطلاع بهذا الدور وتعزيز الاتصالات بين الوكالات المختلفة وبناء كوادر وطنية قوية.

ولهذا يوصي معدا الدراسة الباحثان جيمس جاي كارافانو James Jay Carafano وإريك سايرز Eric Sayers الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة باراك أوباما بوضع استراتيجيات حازمة للتعامل مع التهديدات الإلكترونية ذات الطابع المحلي لكنها تحمل أيضًا بعدًا دوليًّا، وذلك بالنظر إلي أن كل برنامج إلكتروني داخلي مهمته إدارة حركة البضائع أو الأشخاص أو خدمات أو معلومات أو مراقبة الحدود أو حتي إدارة عمليات التحقيق مع الجماعات الإرهابية يتطلب تعاونًا دوليًّا.

عمليات التجسس.. الضلع الآخر للمشكلة
وبخلاف عمليات القرصنة وإسقاط المواقع أو السيطرة عليها، فإن عمليات التجسس الإلكتروني يشكل ضلعًا آخر للأخطار الإلكترونية التي تواجهها أمريكا. وهي حيلة تلجأ إليها عديدٌ من الدول لمراقبة قدرات منافسيها وسرقة معلومات سرية في مقدمتها الأسرار العسكرية. وتعتبر الصين هي مثال صارخ في هذا المجال.

وحسب البنتاجون، فإن الصين عملت علي تنظيم وحدات متخصصة في الكمبيوتر قادرة علي إصابة الأجهزة بفيروسات تصيب ملفاتها ومحتوياتها وشبكاتها.

أحد هذه الفيروسات هو فيروس "Myfip" المناسب تمامًا لحرب المعلومات لقدرته علي سرقة أنواع مختلفة من الملفات مثل ملفات بي دي إف وملفات الوورد والرسومات وقواعد البيانات. ولهذا فإن أي شبكة إلكترونية تصاب بهذا الفيروس فإنها ستفقد وثائقها وخططها واتصالاتها وقاعدة بياناتها كما ستكون هذه المعلومات معرضة للسرقة.

0 مشاركات:

إرسال تعليق