نفوذ اليمين المسيحي في الولايات المتحدة

نفوذ اليمين المسيحي في الولايات المتحدة





أندرو ماسلوسكي
غالبا ما نسمع في الدوائر التقدمية بالولايات المتحدة الشكوى بأن اليمين المسيحي أو اليمين الديني كما يطلق عليه يتمتع بقوة ونفوذ سياسي زائد، واتهامات مشابهة تطلق على جميع أنواع الجماعات النشطة سياسيا.
مؤخرا خضعت الجماعات المؤيدة لإسرائيل والمنظمات اليهودية للتحليل لمعرفة حقيقة هذا الأمر، فكتب البروفيسور جون ميرسهايمر وستيفن والت تحليلا مثيرا للجدل يوحي بأن الجماعات التي يحمل أفرادها فكرا واحدا يمكنهم -وهم بالفعل كذلك- أن يتكاتفوا لممارسة نفوذ قانوني منظم على السياسة الأميركية.
ومع ذلك لم يلق التحليل المتعلق باليمين الديني المسيحي رواجا كبيرا في وسائل الإعلام ولدى المهتمين، فإن أقصى ما يمكن سماعه في هذا الشأن عادة ما تكون تلك العبارة الذكية رغم فجاجتها التي غالبا ما تكتب على الملصقات "اليمين الديني لا هذا ولا ذاك".
ولكن لتقديم تحليل سريع للنفوذ الذي قد يستخدمه اليمين الديني ببراعة في المشهد السياسي الأميركي على الصعيد الاقتصادي أو التشريعي أو الاجتماعي، من الضروري هنا تحديد الشكل الذي قد يتخذه الدليل على هذا النفوذ.
هل يمكن ملاحظة وجود اتجاه واضح في الولايات المتحدة نحو عقلية أكثر تحفظا، تصاغ وتقاد في وقت واحد بواسطة عبارة دينية مسيحية صريحة؟ وإذا تأكد أن هذا الاتجاه يحدث أو حدث بالفعل، فما أنواع الأدلة التي يمكن تقديمها لإثباته. وأخيرا، إذا أمكن إيجاد مثل هذا التوجه المحافظ فهل يدل ذلك على وجود توجه ثقافي واجتماعي أوسع نحو المحافظة في أميركا، أو أنها قد تكون نتيجة وجود قلة من الأفراد أو الجماعات الثرية التي تستغل أموالها في رفع صوتها أعلى من الأقل ثراء، رغم كونهم أغلبية راضية ومعتدلة؟
نفوذ اليمين المسيحي في الحكومة
من يتحدث باسم اليمين المسيحي؟
الإمكانات المالية لليمين المسيحي

"
يبدو الأمر مضللا ومخادعا إذا ما استخدمت الانتماءات الدينية للمسؤولين المنتخبين دليلا على أن اليمين الديني يتلقى ترحيبا حارا غير مشروط على آرائهم
"
دعونا نلقي نظرة فاحصة على نفوذ اليمين الديني المسيحي بتعقب الانتماءات الدينية للمسؤولين الأميركيين المنتخبين، فحسب تصنيف موقع متخصص للانتماءات الدينية لعدد من مجموعات اجتماعية وسياسية شتى، نجد أن 93% من أعضاء الكونغرس -بما في ذلك الشيوخ والنواب- يعرفون بأنهم مسيحيون.
ويشكل الكاثوليك ما نسبته 28.8% من الكونغرس بمجلسيه، أما المجموعات المسيحية المنضوية تحت المسيحية البروتستانتية فإنها تشكل ما تزيد نسبته عن 35% وأهم المجموعات البروتستانتية في الكونغرس طوائف معروفة كالمعمدانيين والأسقفيين والنظاميين، كما أن الكنيسة الإنجلية تشكل ما يقرب من 8% من أعضاء الكونغرس في حين يحتل اليهود 7%.


على المستوى الخارجي يبدو أن الكونغرس الأميركي تهيمن عليه أغلبية مسيحية، الأمر الذي يعتبر منطقيا باعتبار أن المسح الذي أجري عن الهوية الدينية الأميركية للعام 2001 أوضح أن ما يزيد على 75% من الأميركيين يعرفون بأنهم مسيحيون.
لكن ورغم هذه الحقيقة فإن هناك ملاحظة يجب أن تذكر، فقد يختلف اثنان من الكاثوليك على مسألة واحدة، تماما كما يمكن أن يحدث مع اثنين من النظاميين أو المسلمين أو اليهود، ومن ثم يبدو الأمر مضللا ومخادعا إلى حد كبير، إذا ما استخدمت الانتماءات الدينية للمسؤولين المنتخبين دليلا على أن اليمين الديني يتلقى ترحيبا حارا غير مشروط على آرائهم وسياساتهم داخل الأجواء السياسية الأميركية.
وبمواصلة البحث في تأثير اليمين الديني المسيحي في أميركا من المنطقي التطرق إلى تلك المجموعات والأفراد الذين يعرفون بأنهم أعضاء في هذه الحركة. ورغم التفاوت بين هذه المجموعات في الحجم والنفوذ فإنهم غالبا ما يتبنون سياسات وممارسات مماثلة.

"
أعضاء التحالف المسيحي لا يشتركون بالضرورة في آراء دينية متطابقة، ولكن آراءهم السياسية وقيمهم متشابهة بما يكفي لضمان التعاون في تحقيق الأهداف السياسية المشتركة
"
تعتبر منظمة التحالف المسيحي Christian Coalition بقيادة روبرتا كومبس واحدة من أبرز الكيانات النشطة داخل اليمين الديني المسيحي، ويعرف التحالف نفسه بأنه "أكبر وأنشط تنظيم سياسي محافظ في أميركا،" كما يزعم بأن عدد أعضائه يزيد على مليوني شخص. ويدعي التحالف أنه يمثل وجهة النظر المؤيدة للأسرة، وهذا الوصف المنمق الذي يوحي بأن أولئك الذين يخالفون آراء التحالف هم إلى حد ما ضد الأسرة.
ويقوم التحالف بتوفير سجلات للكونغرس توزع مجانا للفت الانتباه إلى سجلات التصويت لكل سيناتور ونائب فيما يتعلق بالتشريعات التي يعتقد التحالف أنها مهمة. وبتجهيزه سجلا منظما ومتاحا لأصوات كل نائب في الكونغرس يضمن التحالف محاسبة المسؤولين المنتخبين علنا ليس فقط على أصواتهم بل على آرائهم أيضا.
ورغم أن الاستعلام عن سجلات التصويت للمنتخبين مسألة معلومات عامة، تجعل "السجلات الإحصائية" التي يوفرها التحالف المعلومات في متناول المواطنين بسهولة، وهذه السجلات تسمح للتحالف والمجموعات الأخرى التي تستخدمها بالتركيز فقط على تلك المسائل التي تعتبرها مهمة.
وهناك جماعة يمينية دينية مسيحية أخرى تدعى تحالف الأغلبية الأخلاقية The Moral Majority Coalition يترأسها القس جيري فالويل. وتعهدت هذه الجماعة عند إنشائها بتكوين قاعدة من 100 عضو قوي، ومع ذلك لا يعرف عدد أعضائها على وجه التحديد، وتحاول هذه الجماعة التأثير في المشهد السياسي من خلال التأكيد على أن الأميركيين المؤيدين لها مسجلون للتصويت، ومن ثم تؤكد على أنهم يذهبون للاقتراع والتصويت في يوم الانتخابات، والآن تعمل تحت لافتة منظمة التحالف المسيحي التي يرأسها بات روبرتسون.
وتستخدم الجماعة وسائل الإعلام والتجمعات العامة لجذب الانتباه لقضاياها التي تصفها بأنها مناصرة للأسرة وللحياة ولإسرائيل. وكما يقول رئيسها نفسه "إننا جماعة تشجع أعضاءها على التصويت للقيم من أجل عودة أميركا إلى تراثها المسيحي اليهودي".
وهناك جماعة يمينية دينية مسيحية مهمة أخرى تدعي التركيز على الأسرة Focus on the Family يترأسها الدكتور جيمس دوبسون.
وهي جماعة تشكلت لممارسة المزيد من الضغط السياسي المباشر على المسؤولين المنتخبين وتكوين تنظيم حركي ثقافي مناصر للأسرة.
ومن أهم أولويات دوبسون قانون حماية الزواج الذي يقترح إجراء تعديل في الدستور يصف الزواج كاتحاد بين رجل وامرأة ويعمل ضد الطغيان القضائي الملاحظ الذي ينظر فيه إلى القضاة الناشطين الليبراليين وكأنهم يسعون إلى تغيير القوانين بطريقة غير ديمقراطية.
وعلى عكس التحالف المسيحي وتحالف الأغلبية الأخلاقية تقدم جماعة التركيز على الأسرة تقريرا ماليا سنويا متاحا للجميع على موقعها على الإنترنت، توضح فيه أن المنظمة كسبت تأييدا شاملا وبلغت عائداتها المالية 25 مليون دولار في العام 2005 فقط. وهذا المبلغ هو ضعف المبلغ الذي جمع عام 2004 تقريبا.
هذه الجماعات الثلاث يجمعها أساس أخلاقي عام فيما يتعلق بآرائها السياسية التي تستقيها من إيمانها. وأعضاء هذه الجماعات لا يشتركون بالضرورة في آراء دينية متطابقة، ولكن آراءهم السياسية وقيمهم متشابهة بما يكفي لضمان التعاون في تحقيق الأهداف السياسية المشتركة.

"
اليمين المسيحي ناجح لأن الجماعات التي يتشكل منها قادرة على تحديد القضايا الهامة لناخبيها المدفوعين بالفعل لإحداث تغيير في الساحة السياسية
"

لا يمكن تجاهل أهمية الموارد المالية عند مناقشة قدرة أي جماعة على التأثير في الساحة السياسية الأميركية. ومع ذلك يظل الأمر من الصعوبة بحال لتتبع التبرعات السياسية للجماعات المذكورة. والجماعة الوحيدة التي تعلن عن تمويلها بوضوح هي جماعة التركيز على عمل الأسرة Focus on the Family Action التي تعلن عن نفسها بأنها لجنة عمل سياسية مصرح لها في ظل القانون بالتبرع للمرشحين والحملات السياسية.
وبالبحث في قاعدة بيانات موقع Open Secrets الذي ينشر قوائم التبرعات السياسية للأفراد والجماعات، لم يسفر البحث عن نتيجة بشأن المنظمات الثلاث المذكورة.
وفي نفس الوقت، حتى ولو كانت هذه المنظمات ممنوعة من منح أموال مباشرة للحملات والمرشحين السياسيين، فقد أثبتت قدرتها على حشد الناخبين ومساءلة السياسيين بإصدار "سجلات إحصاء الكونغرس"، وفي حين أن المنظمات نفسها قد تكون مقيدة فيما يتعلق بمنح المال والموارد للسياسيين، فليس هناك أيضا شيء يمنع أعضاءها الذين تقدر أعدادهم بالملايين من التبرع بالوقت والمال.
وكما هو الحال لأي جماعة ناشطة سياسيا في الولايات المتحدة يتمتع اليمين المسيحي بمستوى نفوذ متناسب مباشرة مع الطاقة والموارد والوقت الذي يمكن أن تستحث به الجماعة أنصارها على التبرع. لكن اليمين الديني ليس وحده هو من يفعل هذا الشيء بنجاح.
فهذه المنظمة المعروفة على نطاق واسع بأنها أقوى وأنفذ مجموعة ضغط في واشنطن ليست ضمن هذه القائمة من المجموعات المسيحية، وليست هي لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية American Israel Public Affairs Committee (أيباك). وحسب مجلة Fortune فإن أقوى جماعة هي الجمعية الأميركية للمتقاعدين American Association for Retired Persons. وأسباب ذلك لا تتضمن مؤامرة أو أي نوع من الأساليب الخفية المريبة. وتكمن قوة نفوذ جمعية المتقاعدين في أنها تركز بدقة ونجاح على القضايا الهامة في دائرة أنصارها وتمثل عددا كبيرا من المواطنين المعنيين.
لا يمكن تجاهل اليمين الديني المسيحي في أي استطلاع للمشهد السياسي الأميركي. وفي نفس الوقت بينما هذا اليمين دون ريب جماعة مؤثرة ولها صوت مسموع يجب ألا يعامل كحالة منفردة، فهو ناجح لأن الجماعات التي يتشكل منها قادرة على تحديد القضايا الهامة لناخبيها المدفوعين بالفعل لإحداث تغيير في الساحة السياسية.
ومع ذلك فمستقبل اليمين الديني المسيحي غير مؤكد، وسيظل اليمين الديني قوة سياسية لها وزنها فقط طالما نجح قادته في توجيه طاقات ناخبيه نحو غايات سياسية معلنة، ولن يستطيع أي مال أو اتصالات داخلية في واشنطن أن تضمن هذه النتيجة.

0 مشاركات:

إرسال تعليق