خبراء: توازن النظام المالي العالمي مرهون بتنامي أعمال المصرفية الإسلامية

تنامت جاذبية المصرفية الإسلامية من حول العالم خلال السنوات القليلة الماضية مما قفز بأصولها المدارة إلى نحو تريليون ريال في 2010، فيما ترجح تقارير مصرفية أن تنمو أصول المصارف والمؤسسات الإسلامية إلى نحو 15 تريليون ريال بحلول عام 2020 نتيجة للنتائج الإيجابية التي حققتها، ومعدل عمليات النمو التي فاقت في عام 2009 نحو 30 في المائة.

ورجح خبراء أن يحدث هذا النمو المتواصل للمصرفية الإسلامية توازنا في النظام المالي العالمي، إذ إنه و رغم المعوقات التي تعاني منها التعاملات المالية والمصرفية الإسلامية، إلا أن البعض في ظل الاهتمام المتزايد بالتمويل الإسلامي خلال الفترة الأخيرة، يراهن على أن الاقتصاد الإسلامي، سيكون هو البديل المناسب، الذي سيحل مكان النظام الرأسمالي، ولاسيما في ظل التحديات والمشاكل التي يواجهها التمويل التقليدي في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة للقروض العقارية، التي منحت لذوي الملاءة المالية الضعيفة.

في حين يري البعض الآخر، أن الاقتصاد الإسلامي لن يكون بديلاً للنظام المالي العالمي الحالي، ولكن سيكون شريكاً له في معالجة جوانب الخلل الجوهرية، مما يجعل النظام المالي العالمي أكثر اتزانا.

وتعود بدايات الاهتمام الحقيقي بالتعاملات المالية والمصرفية الإسلامية على مستوى العالم، إلى عام 1972، عندما انعقد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية وتمخضت عنه توصيات مهمة، تبلورت بأول تجربة عملية للعمل المصرفي الإسلامي الجاد مع تأسيس البنك الإسلامي للتنمية في جدة كأول بنك حكومي، وبنك دبي الإسلامي كأول شركة مساهمة عامة في عام 1975، ثم أخذ التطور بعد ذلك أشكالاً مختلفة بإنشاء العديد من المصارف الإسلامية الجديدة، التي يتجاوز عددها اليوم 450 مؤسسة ومصرفاً إسلامياً على مستوى العالم، تعمل في أكثر من 75 دولة في القارات الخمس، بحجم أصول بلغت نحو 825 مليار دولار أمريكي بنهاية عام 2009، يتركز نصيب الأسد منها في دول الخليج.

وتوقع خبراء في صناعة التمويل الإسلامي من بين الذين شاركوا في منتدى التمويل الإسلامي الدولي 2010، الذي عقد في دبي، بأن تصل قيمة الأصول التي تديرها البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على مستوى العالم بحلول عام 2020 إلى نحو 15 تريليون ريال (4 تريليونات دولار أمريكي)، استناداً إلى نسب نمو راوحت خلال الفترة 2003 وحتى 2008 ما بين 15- 20 في المائة، ونسبة نمو بلغت نحو 30 في المائة ما بين عامي 2008 و2009، إضافة إلى الشعبية المتزايدة، التي حظيت بها التعاملات المصرفية الإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية، نتيجة للحاجة المتنامية إلى المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والزيادة الكبيرة المتوقعة في الطلب على الاستثمارات والاحتياجات التمويلية الهائلة في آسيا ودول الخليج خلال السنوات القليلة المقبلة، مما سيساعد بشكل كبير على زياد قيمة تلك الأصول.

وتشير التقارير إلى أن الأصول المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية والمعدة للاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأقصى، قد وصلت إلى نحو 267 مليار دولار أمريكي، نتيجة للتوسع الاقتصادي القوي وارتفاع الإنفاق الحكومي والمستوى المرتفع للسيولة، والذي بدوره حقق عائدات ضخمة جداً لصناعة إدارة الأصول الإسلامية تقدر بنحو 34.1 مليار دولار أمريكي، شكلت منها حصة دول مجلس التعاون الخليجي نحو 90 في المائة من إجمالي الأصول لمجموع المصارف الإسلامية في الدول العربية.

من بين العوامل كذلك التي ساعدت على تنامي الطلب على التعاملات الإسلامية، تعطش المجتمعات الإسلامية ورغبتها في إيجاد قنوات للتعامل المصرفي الإسلامي، يبعد عن استخدام أسعار الفائدة، إضافة إلى إيجاد حلول ومجال لتطبيق فقه المعاملات في الأنشطة المصرفية، ولاسيما أن الخصائص التي تتمتع بها تطبيقات المصرفية الإسلامية، تحقق مثل هذه الرغبات، لكونها تتميز بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة المعاملات المصرفية والاستثمارية، إلى جانب تطبيق أسلوب المشاركة في الربح أو الخسارة في المعاملات، والالتزام بتطبيق القيم والأخلاق الإسلامية في العمل المصرفي.

الاهتمام المتزايد بالتعاملات المالية والمصرفية الإسلامية على مستوى العالم، شجع عدد كبير من الدول الغربية وبالذات في قارة أوروبا، على خوض تجربة صناعة المصرفية الإسلامية، حيث أشارت دراسة إلى أن بريطانيا على سبيل المثال قد تتحول إلى مركز عالمي للنظام الإسلامي المالي، ولاسيما أنها تضم حالياً خمسة بنوك إسلامية، تتعامل بشكل متكامل وفق متطلبات الشريعة الإسلامية، وأيضاً 17 فرعاً خاصا ببنوك ومؤسسات مالية، تتعامل وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، وتقدر قيمة الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في بريطانيا بنحو 19.4 مليار دولار أمريكي. وتتوالى جهود الحكومات الأوروبية الأخرى في تعزيز وجود صناعة المصرفية الإسلامية في دولهم، حيث تسعي أكثر من دولة إلى أن تكون عاصمة للتمويل الإسلامي على مستوى العالم، التي من بينها على سبيل المثال فرنسا، التي أعلنت في أكثر من مناسبة رسمية عن توجهها لتعزيز وجود صناعة المصرفية الإسلامية في فرنسا، وما يؤكد على صحة ذلك التوجه، أن أصبحت جامعة ستراسبوج الفرنسية أول جامعة أوروبية، تطرح تخصص في الأنظمة المالية الإسلامية، في حين تتضمن مناهج عدد من الجامعات الأوروبية مواد عن النظام المالي الإسلامي، ويتوقع خبراء المصرفية الإسلامية، أن الدول الأوروبية ستنهض بصناعة المصرفية الإسلامية خلال السنوات القليلة المقبلة، وبالذات إذا ما تمت التوسعات في الاتحاد الأوروبي ليضم تركيا ودول البلقان، حيث إن ذلك ستنتج عنه زيادة عدد السكان المسلمين بما يعادل 72 مليون مواطن، مما سيساعد بشكل كبير على زيادة النمو والطلب على المنتجات المصرفية والمالية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولاسيما أن التوقعات تشير إلى أن حجم الاستثمار في المنتجات الإسلامية المتفقة مع الشريعة الإسلامية سيتضاعف في أوروبا ليصل إلى أعلى معدلاته في بحلول عام 2015.

مؤشرات الأسواق المالية العالمية المعروفة والمشهورة على مستوى العالم، مثل مؤشر داو جونز للأسواق Dow Jones ، قد أولت هي الأخرى اهتماماً خاصاً للتعاملات المالية الإسلامية، حيث تم تخصيص مؤشر لسوق المالية الإسلامية، يعرف باسم مؤشر داو جونز الإسلامي Islamic Dow Jones Index، وسوق للشركات الخمسمائة الأكبر، ومؤشر للشركات الصناعية ومؤشر لصناعات التكنولوجيا وغيرها.

جدير بالذكر أن هناك عددا من المنظمات والهيئات الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي، قد أسهمت وساعدت بفاعلية في تطور التعاملات المالية والمصرفية الإسلامية على مستوى العالم خلال العقود الثلاثة الماضية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، مجلس الخدمات المالية الإسلامية Islamic Financial Services Board (IFSB) و هيئة المحاسبة والمراجعة للخدمات المالية الإسلامية Accounting & Auditing Organization for Finical Institution (AAOIFI)، والتي تهدف إلى توفير البيئة المالية والمصرفية والمحاسبية المناسبة لعمل المؤسسات المالية، من خلال إصدار المعايير المناسبة لتطوير العمل المصرفي الإسلامي على أساس مؤسسي، بما في ذلك ضمان سلامته.

ورغم التطور المذهل الذي شهدته التعاملات المالية الإسلامية خلال السنوات القليلة الماضية على وجه العموم، والتعاملات المصرفية على وجه الخصوص، إلا أنها وفق رأي خبراء التعاملات المالية الإسلامية، تواجه كغيرها من الأعمال، العديد من التحديات والمعوقات، التي تحد من سرعة نموها وازدهارها بشكل أكبر مقارنة بما هو عليه واقع الحال اليوم. من بين أهم التحديات والمعوقات التي تواجه التعاملات المالية والمصرفية الإسلامية على سبيل المثال ما يلي:

1 ـ القدرة على إعادة هيكلة القوانين والتشريعات والسياسات والإجراءات المتعلقة بالخدمات والمنتجات المالية والمصرفية التقليدية، بحيث تصبح متوافقة مع الشريعة الإسلامية، حيث إن الإخفاق في إعادة الهيكلة بما يتوافق تماماً مع الشريعة الإسلامية، قد يبعد المنتجات والخدمات المالية والمصرفية عن تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وفق المعايير والمحددات المرتبطة بذلك.

2 - مشكلة توافر السيولة والقدرة على إدارتها بالشكل، الذي يوفر بالذات لقطاع التمويل الإسلامي السيولة اللازمة للتوسع في أنشطة التمويل المختلفة، ولاسيما في ظل الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية، التي ألقت بظلالها على أسواق المال العالمية وعلى منابع ومصادر السيولة، إضافة إلى احتدام المنافسة على استقطاب الودائع الجارية، وقد أوضح تقرير أن البنوك الإسلامية، تعاني من عدم اتساق مواعيد استحقاق الخصوم مع مواعيد استحقاق الأصول مقارنة بالبنوك التقليدية، ما يتسبب في حدوث فجوة في السيولة تؤثر في قدرة البنوك الإسلامية على التوسع في مجالات التمويل الإسلامي المختلفة.

3 - انخفاض معدلات الربحية على الأنشطة الاستثمارية والتمويلية، وبالذات في ظل ارتفاع التكاليف التشغيلية وتكاليف التوسع في العمليات في البنوك الإسلامية مقارنة بما في البنوك التقليدية.

4 - الالتزام والتطبيق الحرفي للمتطلبات الإشرافية لاستدامة العمل المصرفي الإسلامي، من خلال إصدار معايير الإشراف الرقابية للنظام المصرفي الإسلامي، القائمة على أفضل الممارسات الرقابية المتفقة مع معايير (بازل 2)، التي تركز على كفاية رأس المال، وإدارة المخاطر، والرقابة الداخلية، والشفافية، وتطبيق متطلبات الحوكمة.

5 - تطوير الكوادر البشرية، وتأهيلها التأهيل الملائم للعمل المصرفي الإسلامي، الأمر الذي يتطلب تزويدها بالمؤهلات الفنية، المرتبطة بالجوانب الشرعية للمنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية، إضافة إلى تأهيلها وتدريبها للقيام بالأعمال المصرفية الإسلامية على الوجه، الذي يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية، المرتبط بتطبيقات التعاملات المالية والمصرفية الإسلامية، ومن هنا تتضح أهمية الحاجة الماسة إلى الدور المهم، الذي تضطلع به المعاهد المتخصصة في التعاملات الإسلامية، المرتبط بتأهيل العاملين في المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية على أسس ومبادئ التعاملات المالية الإسلامية السليمة.

6 - الشح الشديد في أعضاء الهيئات الشرعية، وبالذات من فئة الشباب المؤهلين لتطوير صناعة المصرفية الإسلامية، بما في ذلك تقييم المنتجات، ومراجعة وتدقيق التطبيق للتأكد من سلامة الالتزام بالنواحي الشرعية.

7 - القدرة على الابتكار المستمر للمنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، الأمر الذي سيجنب المؤسسات المالية الإسلامية الاعتماد على التقليد والمحاكاة للمنتجات وللخدمات المالية والمصرفية، التي تقدمها البنوك التقليدية، وبالتالي عدم الوقوع في الأخطاء المرتبطة بعدم الالتزام الحرفي بالجوانب الشرعية الخاصة بالمنتجات الإسلامية سواء المرتبطة بالهيكلة أو بالتنفيذ

0 مشاركات:

إرسال تعليق