باكستان: مقتل «طبيب الفقراء» حملة لإسكات الصوت المستنير

باكستان: مقتل «طبيب الفقراء» حملة لإسكات الصوت المستنير
حملة طالبان طالت علماء وأساتذة جامعات.. والموت عقاب كل من يرفع صوته ضد التفجيرات الانتحارية
ماردان (باكستان): جين بيرلز*
كان الدكتور، طبيب الفقراء، وعالم الدين الإسلامي والصديق للولايات المتحدة، ممثلا لكل ما يكرهه المتطرفون الإسلاميون.
قبل أسبوع، تخفى اثنان من منفذي الاغتيالات في طالبان بملابس عصرية وصعدا الدرج إلى حيث يوجد مكتب خان في الطابق الثاني حيث كان يتناول الغداء بين مجموعة من المرضى وأردياه قتيلا من مسافة قريبة.
عملية اغتيال الدكتور خان، التي تمت ببرود وسرعة، كانت الأخيرة فيما يبدو أنه حملة معززة من قبل طالبان لاغتيال، أو على الأقل، إسكات المسلمين المستنيرين في باكستان الذين يعارضون هذه الميليشيات، في استخدام السيارات المفخخة ودعاوى الجهاد العالمي.
وكان ما لا يقل عن ستة علماء مسلمين وأساتذة جامعات قد قتلوا أو اختطفوا خلال العام الماضي في باكستان، كل حالة من تلك الحالات لم تحظى سوى بإشارة بسيطة في الإعلام ووعود من جانب الحكومة بفتح تحقيق ثم تهدأ بعد ذلك المخاوف.
أصبح هذا النموذج مألوفا، حتى أن وفاة الدكتور خان لم تثر دهشة الكثير من المسلمين المعتدلين والذين يشكون من العجز الحكومي أمام المتطرفين. فخلال العام الماضي، قتل الواعظ المعتدل مولانا سارفاراز نعيمي في تفجير انتحاري، عندما فجر انتحاري نفسه في الجامعة التي ألقى بها نعيمي محاضرة هاجم فيها الآيديولوجية الجهادية، بينما قتل الواعظ المعتدل الشهير مولانا حسن جان في بيشاور عام 2007 عندما هاجم التفجيرات الانتحارية. وكان الكثير من الشخصيات العامة المنتمية إلى حزب «عوامي»، الحزب الرئيسي في إقليم خيبر - باختونخوا، قد تعرضوا للاختطاف أو القتل، فتعرض أجمل خان المسؤول الجامعي والشخصية البارزة في بيشاور للاختطاف الشهر الماضي، على الأغلب من قبل طالبان، ولم تظهر أخبار عنه منذ ذلك الحين.
يشير المعتدلون إلى أن هذا التراجع للفكر الديني المستنير، مرحلة أخرى في الحملة طويلة المدى التي تقوم بها طالبان - بمساعدة من «القاعدة» - في محاولة تقويض الدولة.
وقال رحيم الله يوسف زاي، الصحافي وصديق الدكتور خان: «لا تملك الحكومة العزيمة أو القدرة على القيام بالكثير. ولذا فمن الصعب التوقع بأن تقوم الحكومة بأي شيء. هذه ليست المرة الأولى والأخيرة التي تجري فيها عمليات قتل كهذه. فالناس خائفة بالفعل من مناقشة مثل هذه القضايا، والآن سيكونون أكثر خوفا». كانت هناك الكثير من المحطات في حياة الدكتور خان النشطة التي وجدتها طالبان مثيرة للاعتراض. فخلال العام الماضي قام الدكتور خان (56 عاما) الذي تعلم الطب في فيينا، بإلقاء محاضرة حول عالمية الإسلام أمام 150 صبيا ألقي القبض عليهم - مع طالبان - ثم أطلقت الحكومة سراحهم فيما بعد. وتقول الدكتورة رضوانة فاروق، طبيبة النساء، عن إصراره على تقديم محاضراته الأسبوعية في مدرسة التدريب المهني، التي تدعى «الفجر الجديد»، والتي أقامها الجيش الباكستاني بتمويل منظمات الإغاثة الدولية: «هذا هو واجبي». وخلال السنوات الأخيرة أبدى الدكتور خان اهتماما كبيرا بنموذج الديمقراطية الأميركية، فزار الولايات المتحدة كضيف على الحكومة الأميركية عام 2002، كما التقى هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، خلال زيارتها الأولى لباكستان، وكان من بين الذين اختيروا لحضور حفل الغداء الذي أقامته السفيرة الأميركية، آن باترسون، المنتهية مدة خدمتها في إسلام آباد الشهر الماضي. وتقول إليزابيث رود، القنصل الأميركي العام في بيشاور: «كان الدكتور خان صديقا قديما وصاحب صوت معتدل في نبذ التطرف». لكن ربما كان موقفه الأكثر تحديا لحركة طالبان، هو موقفه كنائب رئيس لجامعة ليبرالية جديدة في وادي سوات، الذي أحكمت طالبان سيطرتها عليه، ضمن حملتها لمحاولة السيطرة على البلاد، لعدة أشهر في 2009 قبل أن يتم طردها في هجوم عسكري كبير، حيث كان من المقرر افتتاحها بعد أيام قليلة من قتل الدكتور خان.
ويشير رئيس الجامعة، شير علام خان، إلى أن الجامعة كانت محل خلاف مع حركة طالبان لبعض الوقت، ويرجع ذلك جزئيا إلى قرار الحكومة ببناء الجامعة في المنطقة التي تدير فيها طالبان أكبر مسجد ومدرسة تابعة لها. وقد تم التراجع عن المكان في وقت لاحق والانتقال إلى موقع أكثر حيادية على أطراف مينغورا، عاصمة وادي سوات. وتولى الدكتور خان على مدار العام الماضي مسؤولية التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس ووضع المناهج الدراسية للعلوم الاجتماعية وتعيين هيئة طلابية. وأضاف أن من بين 280 طالبا تم اختيارهم لأفضليتهم، كانت هناك 50 فتاة، إلى جانب 20 أستاذة جامعية بين أساتذة الجامعة. ربما يكون الدكتور خان، الأب لأربعة، قد أغضب طالبان لأنه نشأ بداية بين الأحزاب الدينية المتطرفة لا الصفوة الأكاديمية والأحزاب الأخرى. في بداية حياته انضم الدكتور خان إلى حزب «الجماعة الإسلامية»، الحزب المناوئ للولايات المتحدة الذي كرس نفسه لتحويل باكستان إلى دولة إسلامية. لكن الدكتور خان اختلف مع الجماعة ثم انفصل عنها، ليلتحق بحزب «تحريق إنصافي»، المناوئ للولايات المتحدة أيضا، الذي يقوده لاعب الكريكت السابق عمران خان. من هناك حاول بناء منهج خاص به، وخلال السنوات القليلة الأخيرة شارك في مؤتمرات دولية حول المرأة والديمقراطية وتعزيز العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين. وفي أعقاب مقتله تبنى فصيل من طالبان - باكستان يدعى «لواء عبد الله عزام» العملية، قائلين إنه أساء تفسير الجهاد والإسلام. وعلى الرغم من مقتل الكثير من العلماء والمفكرين المسلمين خلال السنوات الأخيرة على يد طالبان، فإن وفاة الدكتور خان بدت بالغة الأثر أكثر من غيرها. وقد نددت صحيفة «ذا نيوز» الصادرة باللغة الإنجليزية في إسلام آباد بتقاعس الحكومة عن القبض على المشتبه بهم في تنفيذ حوادث القتل هذه.
من جانبها، أقامت الجامعة حفل تأبين للدكتور خان لم يدع إليه مسؤولون حكوميون بسبب المخاوف الأمنية ومشاعر السخط تجاههم.
* خدمة «نيويورك تايمز»

0 مشاركات:

إرسال تعليق