«فريق الدمار».. جدو «ستالوني» .. يعود إلي السينما «اضرب.. وخد لك ساتر»

أفلام الأكشن نوعان: نوع يوظف مشاهد الحركة شديدة الإبهار والإتقان لخدمة خطوط درامية واضحة المعالم وشخصيات يمكن أن تتذكرها، وأفكار - ولو بسيطة - عن الإنسان والعنف والحياة والموت والانتقام والتسامح.. إلخ، والنوع الثاني يفعل العكس تماماً حيث يصبح كل ما نشاهده من أحداث «ومناظر» وتفصيلات مقنعة أو غير مقنعة متقنة أو مفبركة في خدمة مشاهد الحركة والعنف باعتبار أن مشاهد هذه النوعية من الأفلام جاء ليشاهد اللكمات والضربات والانفجارات وطلقات الرصاص ومشاهد تكسير العظام، ومعظم هؤلاء من الشباب تحت العشرين الذين لا تعنيهم الحواديت، ولا رسم الشخصيات ولا حتي مدي براعة الممثلين الذين يفضل أن يكونوا أصلاً أبطالاً رياضيين.

لو أردت أن أصنف فيلماً مثل «The Expendables» أو كما عرض تجارياً تحت اسم «فريق الدمار» فسأضعه دون تردد تحت النوع الثاني الأقل قيمة وأهمية من الناحية الفنية، وفي هذه النوعية الوحيدون الذين يستحقون الإشادة والإعجاب هم رجال الحركات الخطرة أو «الدوبليرات» «المحترفون» ومصممو ومنفذو ومشاهد التفجيرات، وهؤلاء، بالمناسبة تقام لهم مهرجانات سنوية يمنحون فيها الجوائز، أما العجوز «سيلفستر ستالوني» الذي أخرج الفيلم واشترك في كتابة السيناريو مع كاتب القصة «ديفيد كالاهام» فلا يستحق مع زملائه «الجامدين الناشطين العتاولة» علي رأي «عبد المنعم مدبولي» في «هالو شلبي» إلا أن يحصلوا علي كيلو جوائز في مسابقة «التوتة الذهبية» التي تمنح قبل جوائز الأوسكار سنوياً لأسوأ أفلام العام إنه عمل متواضع تماماً يذكرك بأشباح من سينما السبعينيات والثمانينيات، حتي مشاهد الأكشن ليس فيها شيء خارق أو استثنائي وتجاوزتها أفلام كثيرة، و«ستالوني» الذي يصفه أحد زملائه في الفيلم عن حق بأنه الكتلة من الجرانيت الباردة» يحاول أن يستخدم كل التوابل، فيستعين بمنافسي الأمس العواجيز: «آرنولد شوارزنيجر» و«بروس ويليس» في مشهد واحد، ويحشد عدداً لا بأس به من أصحاب العضلات من «جاسون ستاثام» إلي «جت لي»، ومن «دولف لوندجرين» إلي «ستيف أوستن» كما يستعين بمشخصاتي متميز هو «ميكي رورك» في مشاهد قليلة، ولا أدري كيف فات عليه أن يتصل «بكلود فان دام» إذ فاتته هذه «المعجنة» التي خرجت من حدوتة ملتوتة عجيبة وغريبة!

هذا من حيث الشكل، أما من حيث الموضوع إذا كان هناك حقاً موضوع، فالحكاية مرة جديدة عن فريق محترف من المرتزقة الأمريكيين يعملون لحسابهم مقابل الحصول علي المال، هم أربعة أشخاص ونصف في إشارة إلي الآسيوي القصير «يانج» (جت لي )، طبعاً ليس مهماً أن تتوقف عند كل واحد منهم، وحتي قائدهم «برني روس» (ستالوني) لا نعرف عنهم إلا أقل القليل.

وإن كان التناقض في صورته يبعث علي الضحك حيث مازال يحتفظ بجسد وعضلات شاب ضخم بينما يحمل وجه رجلاً عجوزاً، وهناك زميله «كريسماس» الذي لا نعرف عنه إلا أن له صديقة فضلت عليه رجلاً أثناء غيابه، ولكنه ينجح في إعادتها إليه، أما

«يانج» فهو يدعي أنه له أسرة ثم نكتشف أنه يكذب، ونعرف أنه معقد لأنه قصير قزعة «وليس طويلاً وأهبل»، ولذلك يبذل مجهودًا مضاعفًا في الحركة، وهناك عضو آخر يعالج نفسيا باستمرار، وشاب أسود لا نعرف عنه شيئًا، والفتوة المدمن «جانر» «لوند جرين» الذي يخرج علي النص في كل عملية مما يؤدي لطرده من الفريق، ولعل أفضل النماذج المرسومة بعيدًا عن هذه الخطوط السريعة هو «توول» «الذي لعب ببراعة ميكي رورك»، وهو عضو سابق بالفريق تركه بحثًا عن الاستقرار مع امرأة تحبه، واحترف رسم الوشم علي الأجساد!

لا يوجد تعمق من أي نوع في حياة هؤلاء المرتزقة ولا حتي في علاقاتهم، رغم ذلك لن يكلف سوي مجهودًا قليلاً، كما أنه لن يتناقض مع مشاهد الأكش بل سيدعم تأثيرها علي الجمهور، سنشاهد الفريق يحرر في البداية رهائن في الصومال، وسنسمع عن عمليات لهم في البوسنة ونيجيريا، ولكن العملية محور الأحداث من أكثر ما شاهدت في حياتي سذاجة رغم محاولة الإيحاء بجدية ما نشاهده، هناك رجل غامض يطلق علي نفسه مستر «تشرش» «بروس ويليس» يكلف «ستالوني» بعملية في جزيرة خيالية اسمها «فيلنيا» لكي يغتال جنرالا استولي علي السلطة بمساعدة رجل أمريكي اسمه «مونرو»، يقبل «روس» المهمة بعد أن يرفضها «شوارزينجر»، وهو أيضا مرتزق معتزل، ويسخر منه «ستالوني» قائلا: إنه يريد أن يكون رئيسًا في «إفيه» ظريف عن «شوارزينجر» الذي أصبح فعلاً حاكمًا لإحدي الولايات الأمريكية، والحقيقة أن مشهد لقاء الثلاثة «ويليس» و«شوارزينجر» و«ستالوني» هو الأفضل في الفيلم من كل الوجوه.

ويقوم «روس» وزميله «كريسماس» بمهمة استطلاع في الجزيرة، وهنا يتخبط السيناريو فتتحول المهمة إلي معركة شرسة يقتلون فيها أربعين من الجنود ويعجب جدو «ستالوني» بالشابة الثائرة «ساندرا» ابنه الجنرال الديكتاتور التي تعارض والدها وتساعدهم، ويبدو وبوضوح ضعف أعداء فريق الدمار وتهافتهم سواء الجنرال أو الأمريكي «مونرو» الذي يسيطر عليه تماما، لدرجه أنك يمكن أن تعتبر هذا الجنرال الألعوبة من أضعف الشخصيات العسكرية التي يمكن أن تشاهدها في تاريخ صناعة الأفلام الروائية، والقاعدة البديهية هي أن ضعف الخصم في هذه الأفلام بل وفي الدراما عموما يعني أن تخسر نصف المعركة قبل أن تبدأ، ثم تظهر الكارثة الثانية في السيناريو ففي منتصف الفيلم تقريبا تكتشف كل المعلومات التي تجعل الحكاية قد انتهت عمليا، فالسيد «تشرش» ليس إلا رجل المخابرات المركزية الذي كلف المرتزقة بعملية لتصفية رجل مخابرات منشق يتاجر في الممنوعات في الجزيرة هو «مونرو» ثم تستهدف الـ«CIA» التخلص من المرتزقة بعد ذلك، والأسوأ أن هذه المعلومات لن تستغل أبدا لتسخين ما بقي من الفيلم من أحداث لأن المرتزقة سيرفضون استكمال مهمة بهذا الشكل.

وهكذا سيقع الفيلم في مأزق يكشف عن بدائية كتَّابه، لأننا عُدنا ببساطة إلي نقطة الصفر، فحتي مُنتصف الحكاية أصبح كل ما لدينا مهمة استطلاعية أكدت لنا أن الأمر لا يحتاج إلي فريق، وأن اثنين فقط يمكنهما تدمير الجزيرة بسبب تفاهة الخصوم، ثم إن المهمة نفسها انكشفت أسرارها وأبعادها فرفضها قائد المرتزقة وأعاد النقود، ويعني ذلك من الآخر أننا سنبدأ الفيلم من جديد بعد أن شاهدنا جزءًا كبيرًا منه وأن فريق الدمار سيحتاج إلي مبرر جديد للعودة إلي الجزيرة التي لم يصلها بعد حتي هذه اللحظة!

ومن كارثة إلي كارثة أكبر عندما يكون سبب العودة أن جدو «ستالوني» يريد أن يستعيد روحه التي تعلقت بالرقيقة «ساندرا»، هذا ولن يتشكل الفريق الذي يذهب هذه المرة مجاملة للرئيس الكبير وبدون فلوس وكأنهم يجاملون في فرح العمدة، لن يتشكّل جميع أفراد الفريق إلاّ في الثلث الأخير من الفيلم بعد فواصل «أكشن» استعراضية من «چيت لي»، وبعد أن يقرر المُدمن «جانر» خيانة زملائه والتعاون مع الجنرال و«مونرو» وبدلاً من أن ينتظرهم في الجزيرة نراه يطاردهم في شوارع أمريكا، ثم نراه مصابًا تحت أقدام «ستالوني» ولا يبقي إلا معركة النهاية في الجزيرة التي يرفع فيها الجميع شعار «اضرب وخُدْلك ساتر»، ويستكمل السيناريو المشوش عجائبه بترك «ستالوني» العجوز لمحبوبته «ساندرا».

رغم أنها معجبة بالتأكيد بعضلاته، وكأن كل ما رأيناه لا معني له، والأعجب أن المُدمن المتمرد «جانر» يعود إلي الفريق، فلا السيناريو استفاد من انشقاقه، ولاستفاد منه كعضو في الفريق في مشهد النهاية!

«ستالوني» بالقطع ليس ممثلا عظيما بأي حال من الأحوال، لكني ممن يعتقدون أنه يفهم جيدا في النوع الذي تخصص فيه، والحقيقة أن فيلمه الأشهر «روكي» الجزء الأول عمل مهم رسمت شخصياته بعناية، ووظفت فيه مشاهد الحركة بدرجة تم تقليدها في أفلام كثيرة تالية، والأهم من ذلك أنه قدم معالجة جذابة وذكية ومؤثرة لفكرة الصعود من القاع إلي القمة، ولفكرة الصمود كمرادف للانتصار، أمّا هنا فنحن أمام أشباح تقدم خليطا هلاميا من عوالم قدمت بشكل أقوي مثل حياة المرتزقة ومغامراتهم، حتي الديكتاتور الجنرال بصورته الكلاسيكية لم يعد موجودا إلا في أفلام السبعينيات.. هناك أيضا القليل من لمسات «ستالوني» الساخرة التي لم تستطع أن تحسن كثيرا من ضعف السيناريو.

خرجت من الفيلم غاضبا ومنزعجا ومصمماً علي التعامل بقوة وعنف مع أي سائق أركب معه، الحقيقة أن السائق لم ينطق علي الإطلاق طوال الرحلة القصيرة، ويبدو أنه قرر أن يشتري نفسه، فقررت أيضا أن أشتري روحي كما فعل جدو «ستالوني» في فيلمه المتواضع!a

0 مشاركات:

إرسال تعليق