البنوك والمؤسسات الحكومية تتحالف لإبقاء الاحتيال المصرفي في المملكة دون« الظاهرة»

تشكل الجرائم الاقتصادية بشكل عام والجرائم الإلكترونية بشكل خاص هاجسا وقلقا أمنيا على مستوى العالم، لكونها تتسبب في تدمير البنية التحتية والفوقية للاقتصاد، وتتسبب في فقدان وزعزعة الثقة بالأنظمة المالية والاستثمارية والمصرفية لأي بلد كان، ولا سيما في ظل انتشار هذا النوع من الجرائم على مستوى العالم، نتيجة لانتشار استخدامات التقنيات الحديثة المختلفة من قبل الأفراد والمؤسسات والأجهزة العامة والخاصة، في إنجاز التعاملات اليومية، الذي تزامن ـــ مع الأسف الشديد ـــ مع انتشار سوء استخدامات تلك التقنيات من قبل ضعاف النفوس من النصابين والمحتالين في إنجاز خططهم وأهدافهم الاحتيالية المختلفة، التي عادة ما يقع ضحيتها أناس بسطاء تنطلي عليهم حيل هؤلاء المحتالين.

الوضع في السعودية، لا يختلف كثيراً عن بقية دول العالم في مواجهتها الصارمة وخوضها معارك طاحنة وضارية ـــ كما يقولون ـــ في الصراع الدائر بين الخير والشر منذ نشأة وبداية هذا الكون، وبالذات فيما يتعلق بالتعامل مع الجرائم الاقتصادية والمالية ومكافحتها، للحد من انتشارها في المملكة، ولا سيما أن اقتصاد المملكة يعد من بين أكثر الاقتصادات نظافة Clean Economy على مستوى العالم وفق تقارير دولية ومحلية، إضافة إلى تمتعه ببيئة مالية ومصرفية واستثمارية تمتاز بالحرية الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، بما في ذلك بحرية انتقال الأموال، التي عادة ما يسيل لها لعاب المحتالين والنصابين، بمن في ذلك غاسلو الأموال، كون ذلك يمكنهم من غسل أموالهم في بيئة اقتصادية عبر أنظمة نقدية ومالية ومصرفية واستثمارية نظيفة لا يمكن لأحد أن يشكك فيها، وبالذات بالنسبة لعمليات غسل الأموال التي ـــ مع الأسف الشديد ـــ تفشت على مستوى العالم، إذ يقدر حجم العمليات التي يتم غسلها على مستوى العالم سنوياً بنحو تريليون دولار، أو ما يعادل نحو 15 في المائة من إجمالي حجم التجارة العالمية، ونحو 2 ـــ 5 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي.

رغم تلك المقومات والميزات التنافسية، الاستثمارية والمالية والنقدية، بما في ذلك المصرفية، التي يتمتع بها اقتصاد المملكة، إلا أنها لم تمكن المحتالين أو النصابين وحتى غاسلي الأموال من النفاذ إلى أنظمتها واختراقها لتمرير عمليات غسل أموال أو عمليات مالية ومصرفية مشبوهة تنطوي على النصب والاحتيال، كون المملكة قد حصنت أنظمتها وتقنياتها الإلكترونية المختلفة ضد عمليات الاختراق، باستخدام أحدث أنظمة الحماية المعمول بها على مستوى العالم.. ولعل التصنيف الدولي الأخير الذي وضعها على قائمة الدول العربية وضمن العشرة الأوائل في مجموعة العشرين في مكافحة غسل الأموال خير شاهد على ذلك..

الاحتيال المالي والمصرفي إلى جانب عمليات غسل الأموال والجرائم البنكية .. هي محور حملة توعية أطلقتها البنوك السعودية أخيراً تحت عنوان: ''مرتاح البال''، وستستمر لمدة ستة أشهر، حتى نهاية كانون الأول (ديسمبر) من هذا العام .. من هنا اخترناها لتكون تقريرنا لهذا الشهر.. فإليكم المحصلة:

القوانين الحكومية

اعتمدت المملكة نظاما صارما لمكافحة الجرائم المعلوماتية أقر بالمرسوم الملكي رقم م/17 وتاريخ: 8/3/1428هـ بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (79) وتاريخ 7/3/1428هـ، الذي حدد من خلال مواده الـ 16 كثيرا من الجرائم المعلوماتية، التي يحاسب ويعاقب القانون مرتكبي تلك الجرائم، حيث يتجاوز مجموع العقوبات المالية الواردة بذلك النظام مبلغ 11 مليون ريال، موزعة بالتفاوت المبني على فداحة الجرم الإلكتروني المرتكب، فعلي سبيل المثال، فرض النظام أدنى حد للعقوبة ورد فيه، عقوبة السجن لمدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال، أو بإحداهما، على كل شخص يرتكب أيا من الجرائم المنصوص عليها في النظام، ومنها الدخول غير المشروع إلى موقع إلكتروني، أو الدخول إلى موقع إلكتروني لتغيير تصاميم هذا الموقع أو إلغائه أو إتلافه أو تعديله أو شغل عنوانه، أو المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بكاميرا أو ما في حكمها؛ بقصد التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة، فيما فرض عقوبة السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال أو بإحداهما على كل شخص ينشئ موقعا لمنظمات إرهابية على الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره لتسهيل الاتصال بقيادات تلك المنظمات أو ترويج أفكارها أو نشر كيفية تصنيع المتفجرات، وذلك كأقصى حد للعقوبة ورد في النظام.

صرامة العقوبات التي فرضها نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في المملكة، إضافة إلى الجهود التي تبذلها الجهات الأمنية المعنية في البلاد، والجهود الموازية لها، التي تقوم بها مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' والبنوك السعودية في مكافحة عمليات النصب والاحتيال المالي، بما في ذلك العمليات التي تنطوي على عمليات غسل أموال، أهلت المملكة للحصول أخيراً على شهادة واعتراف دولي، يؤكد استحقاقها وتفوقها عربياً ودولياً في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال، من قبل مجموعة العمل المالي Financial Action Task Force - FATF ''فاتف''، بناءً على تقرير صدر عنها خلال اجتماعها الأخير الذي عقد في أمستردام خلال الفترة من 23 إلى 25 حزيران (يونيو) 2010. وكان أساس منحها للمملكة، هو تمكنها من تحقيق أعلى درجات الالتزام بالتوصيات 40+9، الخاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال ومكافحة عمليات تمويل الإرهاب.

عدد الشكاوى التي تم رصدها للعمليات التي تمت عبر أجهزة الصرف الآلي وأجهزة نقاط البيع مجتمعة على مدى السنوات الثلاث الماضية 2006 ـــ 2009 بلغ 4804 شكاوى سنوياً في المتوسط.

جهود البنوك المحلية

إضافة إلى ما ذكر من جهود بذلت في مجال مكافحة عمليات النصب والاحتيال المالي والمصرفي، بما في ذلك عمليات غسل الأموال، فقد أطلقت البنوك السعودية بتاريخ 21 حزيران (يونيو) من العام الجاري المرحلة الثانية من حملة لتوعية عملاء البنوك تحت عنوان: ''مرتاح البال''، التي تهدف إلى توعية وتثقيف العملاء بأهمية الالتزام بالتعليمات والمحاذير الخاصة بتنفيذ العمليات المصرفية وتحديداً عبر القنوات المصرفية الإلكترونية كالهاتف المصرفي، والإنترنت البنكي، وأجهزة الصراف الآلي، إلى جانب البطاقات الائتمانية، وصولاً لأقصى درجات الحماية لمدخراتهم وحقوقهم المالية والشخصية من محاولات الاختراق أو التحايل، وذلك انطلاقا من حسّ بالمسؤولية الاجتماعية الذي تضطلع به البنوك تجاه عملائها وتجاه أفراد المجتمع، وسعياً أيضاً وراء تعزيز أداء منظومة الحماية التي توفرها البنوك لضمان كفاءة منتجاتها وقنواتها المصرفية.

جدير بالذكر، أن حملة التوعية المصرفية المذكورة، التي أطلقتها البنوك السعودية، تندرج تحت خطة توعية طويلة الأمد قد تمتد لمدة ثلاث أو خمس سنوات وفق الحاجة لذلك، لتعريف العملاء بالعمليات الاحتيالية المختلفة والمتبعة من قبل المحتالين، وبيان أضرارها وسبل الوقاية منها.

هذا وقد استخدمت الحملة في بث رسائلها التوعوية المختلفة باللغتين العربية والإنجليزية كافة وسائل الإعلام المحلية المرئية والمقروءة والمسموعة، واستخدام أدوات وسائل مختلفة (الإعلانات الصحافية، ورسائل الجوال القصيرة، واللقاءات والحوارات والندوات الصحافية والتلفزيونية) لإيصال رسائل التوعية للعملاء، إضافة إلى استخدام البنوك للقنوات الخاصة بها لبث تلك الرسائل، بأسلوب هادف ومشوق يبعد كل البعد عن تخويف العملاء أو بث الهلع والفزع في نفوسهم نتيجة لاستخدامهم للقنوات المصرفية الإلكترونية في إنجاز تعاملاتهم المصرفية، وبالذات وأن القطاع المصرفي السعودي لا يشهد أو يعيش حالة ظاهرة تتعلق بعمليات النصب والاحتيال المالي والمصرفي، الأمر الذي يؤكده أن ما تم رصده خلال السنوات الثلاث الماضية من شكاوى تتعلق بعمليات احتيال ونصب مالي ومصرفي في المملكة على مستوى البنوك لا يتجاوز خانة الألوف، وبالذات لو تمت مقارنة حجم تلك الشكاوى بحجم ما ينفذ من علميات مصرفية عبر تلك القنوات الإلكترونية، فإن الرقم لا يزال متدنيا ومتواضعا للغاية.

على سبيل المثال بلغ إجمالي حجم العمليات المنفذة عبر أجهزة الصرف الآلي خلال الربع الأول من عام 2010 ما يقارب 255,6 مليون عملية بمبلغ وقدره 111,9 مليار ريال، شملت عمليات البنوك وعمليات الشبكة السعودية للمدفوعات ''سبان''، كما قد بلغ إجمالي العمليات المصرفية المنفذة من خلال نقاط البيع، خلال الربع نفسه نحو 34,5 مليون عملية بإجمالي مبلغ قدره 16,1 مليار ريال، في حين قد بلغ عدد الشكاوى، التي تم رصدها للعمليات التي تمت عبر أجهزة الصرف الآلي وأجهزة نقاط البيع مجتمعة على مدى السنوات الثلاث الماضية 2006 ـــ 2009 بلغ 4804 شكاوى سنوياً في المتوسط.

إضافة إلى ما ذكر، ولتحقيق مزيد من درجات الحماية والأمان للعميل لدى استخدامه للقنوات الإلكترونية المختلفة في تنفيذ عملياته المصرفية، تقوم البنوك بإرسال رسائل قصيرة إلى هاتف العميل النقال المقيد لدى البنك، تمكنه من معرفة العمليات التي تتم على حسابه، وبالتالي من الممكن جداً تفادي ـــ بشكل مباشر وسريع ـــ أي احتمال لأي عملية مصرفية قد تتم على حسابه من غير موافقته شخصيا، كما يعتبر( المعيار الثنائي للتحقق من الهوية)، الإجراء الأمني الأحدث والأقوى لدى البنوك، الذي تم تطبيقه من الأول من نيسان (أبريل) 2010، والذي يعد إجراء أمنيا إضافيا، يتيح للعميل خيارات إضافية لحماية حسابه من الاختراق أو العبث، كما أتاحت البنوك للعميل خيارا آخر للحماية، يتمثل في تمكينه من تحديد كمبيوتر أو عدة أجهزة يختارها سلفا يتم عبرها فقط الدخول إلى حسابه.

''ساما'' .. وأدوار محورية

ولتعزيز الجهود المبذولة لمكافحة عمليات النصب والاحتيال المالي والمصرفي، أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''، دليلاً لمكافحة الاختلاس والاحتيال المالي وإرشادات الرقابة الخاصة بذلك في عام 2008، التي هي مكملة لتعليمات سابقة صدرت عنها، اشتملت على عدد من الضوابط والإرشادات العامة، التي من الواجب أخذها في الاعتبار عند تصميم أو تقييم السياسة الخاصة بمكافحة ومراقبة عمليات الاختلاس والاحتيال المالي في البنوك التجارية العاملة في المملكة.

وقد أوضح الدليل عددا من عينات عمليات الاحتيال المالي، التي من بينها على سبيل المثل سرقة بطاقات الصرف الآلي أو بطاقات الائتمان واستعمالها بطريقة غير شرعية، إضافة إلى تحويل أموال لعملاء وهميين، والحصول عن طريق الاحتيال على منافع أو مستندات لا يحق للمتسلم أن يحصل عليها.

جهود الجهات المعنية في المملكة بأمن وسلامة المعلومات والتعاملات الإلكترونية سواء تلك التي تتم على المستوى المصرفي أم على المستوى التجاري، بما في ذلك التي تتم على المستوى الحكومي، كبيرة وجبارة ومحل تقدير وإشادة المجتمع الدولي، ولكن ولأن تأتي بأكلها، لا بد من أن تتضافر وأن تتكاتف جهود جميع أفراد المجتمع لإنجاحها، بتوخي الحيطة والحذر في تعاملاتهم الإلكترونية، الأمر الذي سيتحقق عنه بإذن الله تعالي، المحافظة على بيئة تعاملات إلكترونية آمنة وسليمة في السعودية.

0 مشاركات:

إرسال تعليق