أزمة اللاجئين (الحلقة 2) اللاجئون العراقيون في الأردن.. مجتمع منقسم بين الثراء وراحة البال وبين الفقر وانتظار المجهول

أزمة اللاجئين (الحلقة 2) اللاجئون العراقيون في الأردن.. مجتمع منقسم بين الثراء وراحة البال وبين الفقر وانتظار المجهول
بعضهم من رجال الأعمال الذين أسهموا في تنشيط الاقتصاد.. وآخرون يبيعون السجائر على الطرقات
لاجئات عراقيات يبعن السجائر على أحد أرصفة عمان («الشرق الأوسط»)
عمان: محمد الدعمه
تضاربت الإحصائيات حول أعداد العراقيين المقيمين في الأردن، فبعد أن كانت السلطات الأردنية تقول إن لديها 750 ألف عراقي مقيم على أراضيها جاءت منظمة فافو النرويجية لتعلن قبل عامين أن العدد يصل إلى 450 ألفا، لكن السفارة العراقية في عمان تقول إن العدد لا يتعدى 250 ألفا استنادا إلى جداول الناخبين العراقيين في الانتخابات النيابية التشريعية الأخيرة. ومهما كان الرقم الحقيقي للعراقيين الموجودين في الأردن الآن فإن السلطات بدأت تقنن من منح الإقامات الدائمة حفاظا على التوازن الديموغرافي في البلاد حيث إن الأردن لديه أكثر من نصف عدد السكان ممن قدموا إليه من فلسطين والدول المجاورة وإن استيعاب المزيد يؤثر على معادلة توزيع الخدمات اللوجستية من خدمات تعليم وصحة سكن وغيرها. لقد حاول الأردن في اجتماعات دول الجوار للعراق والمنظمات الإنسانية طرح مشكلة ازدياد العدد وطلب تقديم المساعدات المالية والعينية للعراقيين خاصة أنه بلد محدود الموارد الطبيعية ومن أفقر البلدان للمياه واقتصاده يرتكز على المساعدات والحالات الخارجية.
المجتمع العراقي في الأردن منقسم إلى فئتين إذا جاز التقسيم فهناك فئة من الطبقة الغنية من رجال الأعمال والمال الذين فروا من عهد النظام السابق منذ عام 1990 حيث استقروا مع عوائلهم في المناطق الراقية في عمان الغربية وهذه الفئة رتبت شؤون حياتها للعيش في الأردن وتدير أعمالها فيه وتتنقل من الأردن إلى العراق أو الدول الأخرى لإنجاز أو إدارة أعمالهما التجارية والاقتصادية وهذه الفئة يصل تعدادها إلى مائة ألف أو أكثر وقد لعبت دورا في تحسين الوضع الاقتصادي للأردن وحركت أسواق العقارات والأراضي ونشطت في الاستثمار في السوق المالي.
والزائر إلى المولات أو المراكز التجارية الكبيرة في عمان الغربية يسمع اللهجة العراقية في تبادل أطراف الحديث بين رواد هذه المولات ويرى بوضوح حجم الإنفاق الذي تقوم به هذه العوائل من الشراء أو ارتياد المطاعم السياحية الفاخرة أو المقاهي (الكوفي شوبات)، فهم يعيشون حياة بذخ وترف ومتوفر لهم كل شيء خاصة أنهم يملكون المال الوفير ولديهم القدرة الشرائية لارتياد جميع الأماكن والتي لا يستطيع بعض الأردنيين الوصول إليها إضافة إلى أن أبناء هذه الفئة يتلقون تعليمهم في أفضل المدارس الخاصة ذات الطابع الأوروبي أو الأميركي ويعالجون في أفضل المستشفيات والمراكز الطبية.
لقد ساهمت هذه الفئة في التأثير على نمط الحياة الليلية إذ أصبحت عمان لا تنام بعد أن كانت تغلق المحال والأسواق منتصف الليل وأصبحت حركة الليل مثل النهار إذ أشارت إحصائية لدائرة السير أن هناك 280 ألف سيارة تتجول في عمان خلال الساعات المتأخرة من الليل من أصل مليون و200 ألف سيارة في الأردن.
لقد قام رجال الأعمال بتشكيل مجلس للأعمال العراقيين ليكون بمثابة نقطة تجمع لهم ويتواصلون من خلاله مع السلطات الأردنية التي توفر التسهيلات لهذه الفئة من الإقامات أو استقدام زائرين وأحيانا تصدر لهم جوازات سفر مؤقتة على غرار الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية وذلك لتسهيل حركتهم بين الدول العربية والأجنبية.
وتنظر السلطات الأردنية إلى هذه الفئة على أنها الدجاجة التي تبيض ذهبا فهي تنفق الأموال وتحرك الأسواق وتنشطها وتستثمر في المجالات الاقتصادية وتحدث فرص عمل للأردنيين والعراقيين. وفي العادة لا يوجد منها إزعاج أمني حيث إن البنك المركزي الأردني يراقب هذه الفئة من حيث حركة الأموال والإيداعات والسحوبات من وإلى البنوك الأردنية خشية أن تكون هناك عمليات غسل للأموال أو عمليات احتيال ونصب لكن البنك المركزي لم يسجل منذ نحو عشرين سنة سوى قضيتين الأولى كما عرفت للشعب الأردني قضية بنك البتراء والذي كان يملكه السياسي العراقي البارز أحمد الجلبي وقضية بنك بيت المال حيث تدخل البنك بحل مجلس الإدارة الذي كان يرأسه غالب كبه عندما ساورته الشكوك في التحويلات الكبيرة من وإلى العراق.
وقد أوعز العاهل الأردني إلى الحكومات المتعاقبة بتقديم التسهيلات اللازمة لهذه الفئة وتوفير كل الرعاية لاستقطاب المزيد من رجال الأعمال.
كما نجد أعدادا كبيرة من المطاعم العراقية المشهورة والمنتشرة في مدن عمان، منطقة الرابية والتي تدعى مدينة العراقيين البرجوازية حيث يرتادها ويسكنها الأغنياء من العراقيين، وتشهد انتشار الكثير من المطاعم العراقية المشهورة مثل «مطعم قاسم أبو الكص»، «لحم بعجين الجندول» والكثير من المطاعم التي شغلت المحال والشوارع الرئيسية في منطقة الرابية وشميساني، ومن يذهب إلى هناك يعش في أجواء بغداد الأصيلة منذ أن تطأ قدماه باب المطعم لأن من يستقبلك يتكلم اللهجة العراقية، وأغلب من يعمل هناك هم من الجالية العراقية المقيمة في عمان، ومعظم الزبائن هم من العراقيين، أما بالنسبة إلى أنواع المأكولات فهي وجبة عراقية خالصة، والخبز المقدم يخبز في تنور صنع من الفخار.
ولكن على الطرف المقابل هناك فئة محدودة الدخل وفقيرة تنتظر المساعدات من قريب في الخارج أو من منظمة إنسانية أو تنتظر تحسن الوضع الأمني للعودة إلى العراق وهذه الفئة من عوام الشعب تسكن في الأحياء الفقيرة أو العادية في مناطق عمان الشرقية ويحاولون الاندماج مع المجتمع الأردني بعاداتهم وتقاليدهم ومنهم من يعمل في مهن الإنشاءات أو البناء أو الزراعة لكنها تأبى أن تخرج وتمد يدها والبعض منهم يقوم بالبيع على الطرقات أو زوايا الأسواق في المدن الأردنية البعيدة عن أنظار الدوريات الأمنية والتي عادة ما تغض الطرف عنهم خاصة إذا كانوا من النساء المسنات أو غير قادرين على قوت أنفسهم.
والزائر إلى مناطق وسط البلد في عمان أو المدن الكبرى مثل اربد والزرقاء والرصيفة وغيرها يلاحظ النسوة العراقيات يفترشن الأرض بين المارة لبيع السجائر أو الأشياء البسيطة لكسب دراهم معدودة لسد عوزهن ويمكن تمييز العراقية عن الأردنية من خلال العباءة التي هي من سمات زي المرأة العراقية.
تقول أم جاسم: «لقد جئت إلى الأردن وسكنت عمان عام 1991 بعد غزو النظام السابق دولة الكويت وفرض الحصار الاقتصادي، كانت أوضاعنا الاقتصادية صعبة جدا ويكاد عملنا اليومي في مدينة الكوت، وهي منطقة سكناي، لا يسد رمق العيش ومصاريف أولادي الخمسة، فقررنا الرحيل واللجوء إلى عمان لعلنا نستطيع العيش برفاهية وسلام، لكنهم قتلوا زوجي وتركوا أولادي مشردين في الشوارع واستطعت الهرب لوحدي، لعلي أستطيع توفير المال وإرساله إلى أولادي في العراق، ومنذ ذلك الوقت وأنا أفترش هذا الرصيف ببسطة صغيرة لبيع السجائر».
وأم حيدر من البصرة أيضا انضمت إلينا وتكلمت عن معاناتها قائلة: «لماذا تركتنا الحكومة العراقية حتى الآن على هذه الحالة؟ هل نمثل نحن وجه المرأة العراقية أم وجه العراق؟ نقولها بكل صراحة إننا النساء الوحيدات في عمان اللواتي نبيع السجائر، لماذا لا يدرسون أو يناقشون أوضاعنا خصوصا أن أماكننا معروفة لكل من هب ودب، وحتى عندما يأتي مسؤول عراقي يمر علينا مرور الكرام ويقول: سوف نساعدكم. ويرحل ولا نراه!! نحن نسأل: ما العمل؟ هل نبقى بعيدين عن العراق؟ وطننا جنة والغربة صعبة. هنا كل واحد يقول: يا روحي». وأضافت: «قبل فترة تدهورت حالتي الصحية ما استدعى دخولي المستشفى الخاص، لأنهم لا يسمحون للعراقيين بالمعالجة في المستشفيات الحكومية الأردنية. وقد اضطررت إلى الاستدانة واستجداء المال أحيانا من بعض العراقيين».
وأوضحت أم حيدر: «أما ما نتسلمه من الأمم المتحدة فضئيل جدا مقارنة بأسعار السوق الأردنية، فسعر علبة الدواء الخاصة بارتفاع ضغط الدم يصل أحيانا إلى 70 دينارا أردنيا، وما نتقاضاه من مساعدات 160 دينارا أردنيا، ونبقى ندور في حلقة مليئة بالحيرة والتفكير في الأيام القادمة وما تحمله من مفاجآت». أما خليل، من سكان شارع حيفا ببغداد، فيعمل في محل صغير للإكسسوارات، في وسط مدينة عمان الأردنية فيقول: «أريد العودة إلى بغداد لكن كيف وأنا لا أستطيع دفع الغرامة المتراكمة بحقي للدولة الأردنية وما العمل؟ فمنذ عام 2004 وحتى هذا الوقت يترتب، دفع أجور غرامة تأخيرية عن كل يوم دينار ونصف أردني، وما أحصل عليه من أجور عملي اليومي ثلاثة دنانير أدفع منها إيجار غرفة صغيرة وأجور ماء وكهرباء وتوفير طعام لثلاثة أفراد، زوجتي وابنتي وأنا». وأضاف: «قدمنا عدة طلبات إلى مكتب منظمة الأمم المتحدة من أجل إدراج أسمائنا أسوة ببقية العراقيين اللاجئين هنا للحصول على راتب شهري مقداره 160 دينارا أردنيا، لكن لا نعلم لماذا التأخير ومن السبب والمتسبب في ذلك؟».
غرامات تأخيرية.. ولكن عندما سألناه لماذا لا تعود إلى العراق عندما أعلنت الداخلية الأردنية أنها ستعفي كل من يغادر الأردن إلى العراق من دون أن يدفع الغرامة؟ رد خليل قائلا: «صحيح أن الحكومة الأردنية أعفت العراقيين من الغرامات ولكن الوضع الأمني وقتها كان سيئا ولا نستطيع تامين أنفسنا في العراق وعندما لجأنا إلى السفارة قالت لنا: هذه إجراءات الدولة الأردنية ولا بد من تنفيذها».
أما ماجد فهو لا يقل ألما وشكوى من ضعف الحالة المادية، ويطلب من المسؤولين العراقيين النظر بواقع جدي وعملي لأوضاع اللاجئين لأن ظروفهم صعبة وبحاجة إلى المال، ليس فقط لتلبية متطلبات الحياة اليومية أو دفع إيجار مكان إيواء عوائلهم إنما النظر بعين الرأفة والاعتبار لحالة المرضى العراقيين وهم يبحثون عن دواء يحسب لهم بسعر تجاري فضلا عن أسعار الأطباء الخارجيين لأن الأردن لا يسمح للعراقي بمراجعة المراكز والمستشفيات الحكومية، خصوصا الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، وداء السكري الذي تصل تكلفة علاجه أحيانا إلى 60 دينارا أردنيا. وأضاف ماجد: «في أحيان كثيرة عندما نطلب المال من الأمم المتحدة تأتينا الإجابة بأن المبالغ المقررة والمحددة يجب ألا تتجاوز 160 دينارا أردنيا إضافة إلى أن المنظمة تؤكد بأنها غير مخولة بصرف المبالغ النقدية حتى إن كانت للعلاج». وقال مسؤول في السفارة العراقية فضل عدم كشف اسمه قال إن «السفارة لا تخصص مساعدات وتقدم مساعدات دورية وهذه المهمة موكلة بها منظمات إنسانية وعندما صرفت الحكومة العراقية العيدية ومقدارها 200 دولار استعنا بقوائم الأمم المتحدة لمن هو محتاج إذ يصل عدد الأسر المحتاجة إلى نحو 30 ألف أسرة».
أغلب العراقيين يريدون العودة إلى ديارهم، نتيجة تحسن الأوضاع الأمنية وهذا السبب كان العامل الرئيسي لعودة الكثيرين بعد مبادرة الحكومة العراقية بنقل الراغبين بالعودة بواسطة شركة «الخطوط الجوية العراقية» وتقديم مكافأة مالية مقدارها مليون دينار عراقي، لكن السؤال الذي يطرحه الكثير من المغتربين العراقيين هل المليون دينار كاف لبدء حياة من جديد أم أنه يكفي لدفع إيجار منزل لمدة شهرين وبعد ذلك تبدأ رحلة البحث عن عمل لسد متطلبات العيش اليومية. ووافقت السلطات الأردنية على قبول الطلاب العراقيين في المدارس الحكومية للعام الدراسي الجديد من دون اشتراط الحصول على الإقامة.
ويقول الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم الأردنية أيمن بركات، إنه «يتم قبول الطلاب شريطة تقديم البيانات اللازمة مع تطبيق التعليمات الخاصة بقبولهم باستثناء الإقامة ويتم معاملتهم معاملة الطلاب الأردنيين من إعفاء الرسوم المدرسية وتوزيع الكتب وغيرها من الشؤون التعليمية». وكانت إحصائيات تشير إلى أن عدد الطلاب العراقيين في العام الدراسي الحالي بلغ أكثر من 30 ألف طالب وطالبة.
وفيما يتعلق بالخدمات الصحية المقدمة للعراقيين، قال السفير العراقي في عمان سعد الحياني: «إن العلاج في المستشفيات الخاصة مكلف جدا في الأردن، لكن المراكز الصحية الأردنية كانت تقدم خدماتها مجانا للعراقيين، والآن بعد عقد اجتماعات لجنة بحث أوضاع العراقيين تقرر أن تقدم المستشفيات الأردنية الحكومية خدماتها للعراقيين أسوة بالمواطنين الأردنيين، وذلك لأننا لا نستطيع إنشاء مؤسسات صحية موازية لما هي موجودة في البلد».
من جانبها، تنفي الحكومة الأردنية اعتماد سياسة تسفير العراقيين حيث أكد أكثر من مسؤول في الحكومة الأردنية أن بلاده ستبحث مع مسؤولين أميركيين ودوليين في خيارات عدة لتنظيم عملية دخول العراقيين لأراضي المملكة الأردنية والتعامل مع مئات الآلاف من الموجودين منهم في الأردن.
من جانبها، ترى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العاصمة الأردنية مخاوف الأردنيين حقيقية ومشروعة على الأمن في هذه البلاد، كما تخشى من احتمال انفراط لحمة المجتمع الأردني. فمن غير المقبول - لا في الأردن ولا في غيره - أن يسمح لهذا العدد الهائل من اللاجئين الذي يعادل 15 في المائة من مجموع سكان البلاد بالبقاء فيها بشكل دائم. ويؤكد عراقيو الأردن أنهم رغم مشكلاتهم يشعرون بالامتنان للملاذ الآمن الذي يوفره الأردن لهم. لكنه مع انعدام الأمل في تحسن الحالة في العراق على المدى المنظور يبدو أن اللاجئين العرقيين سيمكثون في الأردن لفترة قد تطول.
وتقول رنا سويس من مفوضية شؤون اللاجئين إن الكثير من العراقيين في عمان يعيشون حالة الخوف من إرجاعهم إلى بلادهم قسرا ولكن لا داعي لخوفهم هذا دائما. وتضيف: «في الواقع، الأردن بلد متسامح جدا ولم يشرع بعملية إعادة جماعية للعراقيين الذين يقيمون بشكل غير نظامي على أراضيه».

0 مشاركات:

إرسال تعليق