الخوارج

الخوارج

الخوارج :
 فرقة من الفرق الإسلامية التي ظهرت مبكرا في عهد الصحابة رضي عنهم، وكانت لها آراء أحدثت شرخا سياسيا في بناء الأمة.
وكان أول ظهور لها تحديدا في معركة صفين التي جرت أحداثها بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وذلك حين رفع أهل الشام "جيش معاوية" المصاحف داعين أهل العراق "جيش علي" إلى الاحتكام إليها، فاغتر الخوارج بتلك الدعوة، في حين رآها علي رضي الله عنه حيلة من أهل الشام لدفع هزيمة بدت علاماتها، فتوجه إليهم - رضي الله عنه - بأن يواصلوا القتال، إلا أنهم أبوا إلا قبول تلك الدعوة، وحَمْل علي على قبولها، وتهددوه قائلين :" أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه، وإلا دفعناك برمتك إلى القوم .. !" فنهاهم - رضي الله عنه - فأبوا، فقبل رضي الله عنه بالتحكيم استجابة لهم وصيانة لجماعة المسلمين من التفرق والتشرذم .
ثم انتدب رضي الله عنه ابن عباس للمفاوضة عنه، فرغب الخوارج عنه وقال هو منك وسيحابيك، ولكن أرسل أبا موسى فإنه قد اعتزل القتال ونصح لنا، فوافق علي رضي الله عنه على كره منه.
وعندما اجتمع الحكمان - أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص - اتفقا على تأجيل التحكيم إلى رمضان، فرجع علي بمن معه من صفين إلى الكوفة، إلا أن الخوارج انقلبوا على موقفهم، وأعلنوا البراءة من التحكيم، ورأوا فيه ضلالا وكفرا، وهم الذين تهددوا عليا رضي الله عنه بقبوله والرضا به، ففارقوا الجماعة رأيا وفارقوها جسدا، إذ انحاز اثنا عشر ألفا منهم إلى حروراء، فأرسل إليهم عليٌ رضي الله عنه عبدَالله بن عباس رضي الله عنهما، وقال له : لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك، فاستعجلوا محاورته فحاورهم رضي الله عنه، فلجوا في خصامه . فلما جاء علي أجابهم على ما نقموا عليه من أمر الحكمين، وكان مما اعترضوا عليه قولهم: خَبِّرْنا : أتَراهُ عَدْلاً تَحكيمَ الرجالِ في الدماء ؟ فقال لهم علي رضي الله عنه: إنا لسنا حكمنا الرجال إنما حكمنا القرآن ، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال . قالوا : فخَبِّرْنا عن الأجل لم جعلته بينكم ؟ قال : ليعلم الجاهل ويتثبت العالم ، ولعل الله يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة، ادخلوا مصركم رحمكم الله . فدخلوا من عند آخرهم.
ولما دخلوا الكوفة أظهروا المعارضة مرة أخرى لقضية التحكيم، وعندما اعتزم علي أن يبعث أبا موسى للحكومة، أتاه زرعة بن البرح الطائي وحرقوص بن زهير السعدي من الخوارج وقالا له: تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم، وقال علي: قد كتبنا بيننا وبينهم كتابا وعاهدناهم، فقال حرقوص: ذلك ذنب تنبغي التوبة منه، فقال علي: ليس بذنب ولكنه عجز من الرأي، فقال زرعة: لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك أطلب وجه الله، فقال علي: بؤسا لك كأني بك قتيلا تسفى عليك الرياح، قال: وددت لو كان ذلك . وخرجا من عنده يناديان لا حكم إلا الله ، وخطب علي يوما فتنادوا من جوانب المسجد بهذه الكلمة ، فقال علي : الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل، وخطب ثانيا فقالوا كذلك ، فقال: أما إن لكم عندنا ثلاثا ما صحبتمونا، لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا الفيء ما دمتم معنا، ولا نقاتلكم حتى تبدؤنا، وننتظر فيكم أمر الله .
وقعة النهروان
انحاز الخوارج - بعد معارضتهم لعلي - وخرجوا على جماعة المسلمين، وقتلوا عبدالله بن خباب بن الأرت، وبقروا بطن جاريته، فطالبهم علي رضي الله عنه بقتلته فأبوا عليه وقالوا كلنا قَتَلَهُ، وكلنا مستحلٌّ دمائكم ودمائهم، فوعظهم وأنَّبهم ونصح لهم، فأبوا إلا المناجزة والقتال، فقاتلهم رضي الله عنه بمن معه حتى أفناهم فلم يبق منهم إلا سبعة أو ثمانية - كما يذكر المؤرخون - تفرقوا في البلاد، ومنهم نبتت بذرة الخوارج مرة أخرى، وكونوا جماعات ظلت مصدر قلق للدولة الإسلامية .


  عقائد وأفكار الخوارج :
لم يكن للخوارج عند بدء ظهورهم منظومة أفكار تشكل مذهبهم الذي فارقوا به أهل السنة، فقد كانت مفارقتهم للمسلمين متعلقة باعتراضهم على مسألة التحكيم، إلا أن مذهب الخوارج اتسع في بِدَعِه ومخالفاته، نظرا لما استتبع اعتراضهم الأول من التزامات، ولما استجد عليهم من محدثات، فمن آرائهم:
1. الخروج على الحكام إذا خالفوا منهجهم وفهمهم للدين.
2. تكفير أصحاب الكبائر.
3. التبروء من الخليفتين الراشدين عثمان وعلي رضي الله عنهما.
4. تجويز الإمامة العظمى في غير القرشي، فكل من ينصبونه ويقيم العدل فهو الإمام، سواء أكان عبدا أم حرا، عجميا أم عربيا. وذهبت طائفة منهم وهم النجدات إلى عدم حاجة الناس إلى إمام، وإنما على الناس أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن رأوا أن لابد من إمام جاز لهم أن يقيموا لهم إماماً.
5. إسقاط حد الرجم عن الزاني، وإسقاط حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال دون من قذف المحصنات من النساء  .
6. إنكار بعضهم سورة يوسف، وهو من أقبح أقوالهم وأشنعها، وهذا القول ينسب إلى العجاردة منهم، حيث قالوا لا يجوز أن تكون قصة العشق من القرآن !!
7. القول بوجوب قضاء الصلاة على الحائض، فخالفوا النص والإجماع .
  من صفات الخوارج في الحديث النبوي
لم يرد في فرقة من الفرق الإسلامية من البيان النبوي ما ورد في الخوارج، فقد تواترت الأحاديث في التحذير منهم وبيان صفاتهم، ومن صفاتهم التي ورد بها الحديث:
1-     قلة فهم القرآن ووعيه ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله أنه قال في وصفهم : ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّميَّة ) متفق عليه .
2-  زهد وعبادة وخبث اعتقاد : كما سبق في حديث أبي سعيد الخدري .
3-  سلم على أهل الكفر حرب على أهل الإسلام : فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله أنه قال في وصفهم ( يقتلون أهل الإسلام ويَدَعُون أهل الأوثان ) .
4- صغار الأسنان سفهاء الأحلام: فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وصف الخوارج :( حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام ) متفق عليه.
 ومن أوصافهم التحليق، كما ثبت في صحيح "البخاري" مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصفهم :( سيماهم التحليق ) والمراد به : حلق رؤسهم على صفة خاصة، أو حلقها بالكلية، حيث لم يكن ذلك من عادة المسلمين ولا من هديهم في غير النسك .
وخاتمة الأوصاف النبوية للخوارج أنهم ( شر الخلق والخلقية ) كما ثبت ذلك في صحيح مسلم ، وأن قتلاهم ( شر قتلى تحت أديم السماء ) كما عند الطبراني مرفوعا، وأنهم ( كلاب النار ) كما في مسند أحمد ، وأنهم:( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) كما ثبت ذلك في الصحيحين.

  كيفية التعامل مع الخوارج :
لقد وضع أمير المؤمنين رضي الله عنه منهجا قويما في التعامل مع هذه الطائفة ، تمثل هذا المنهج في قوله رضي الله عنه للخوارج: " .. إلا إن لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا : لن نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم فيئا ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا "رواه البيهقي وابن أبي شيبة .
وهذه المعاملة في حال التزموا جماعة المسلمين ولم تمتد أيديهم إليها بالبغي والعدوان، أما إذا امتدت أيديهم إلى حرمات المسلمين فيجب دفعهم وكف أذاهم عن المسلمين، وهذا ما فعله أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حين قتل الخوارج عبدالله بن خباب بن الأرت وبقروا بطن جاريته، فطالبهم رضي الله عنه بقتلته فأبوا، وقالوا كلنا قتله وكلنا مستحل دمائكم ودمائهم، فسل عليهم رضي الله عنه سيف الحق حتى أبادهم في وقعة النهروان.
ومن منهجه رضي الله عنه في التعامل مع الخوارج حال بقائهم في جماعة المسلمين محاورتهم لإزالة اللبس عنهم، فقد أرسل إليهم عبدالله بن عباس فحاورهم، وحاورهم هو بنفسه فرجع منهم جم غفير .
فهذه لمحة موجزة عن هذه الفرقة، التي ضلت بأفكارها فكفرت المسلمين وفي مقدمتهم سادات من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كعلي وعثمان رضي الله عنهما، وضلت في سلوكها فغدت وبالا على المسلمين فاستحلت دماءهم وأعراضهم وأموالهم، في حين سلم منها الكفار فكانوا منها في عافية .

الإبـــاضـــية الـخــوارج

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فهذا بحث موجز نبين فيه حقيقة الديانة الاباضية ونسبتهم ومذهبهم .
تــــــــــــمــــهــــــيـــد
هذه الفرقة تحمل فكر الخوارج وهي فرقة موجودة في عصرنا الحاضر , فقد قال بكير بن سعيد اعوشت - أحد علمائهم - انهم يوجدون حاليا في الجزائر وتونس وليبيا وعمان وزنجبار.
أولاً : مــؤســس الاباضية :
انهم ينسبون في مذهبهم حسب ما تذكر مصادرهم إلى جابر بن زيد الأزدي الذي يقدمونه على كل أحد ويروون عنه مذهبهم وهو من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه . انظر أجوبة ابن خلفون ص9 .
وقد نسبوا إلى عبد الله ابن أباض لشهرة موقفه مع الحكام واسمه عبد الله بن يحيى بن أباض المري من بني مرة بن عبيد وينسب إلى بني تميم .
وللأباضية صولة وجولة في باب الخروج على الإمام , فقد ثار يحيى بن عبد الله طالب الحق المتقدم باليمن وجمع حوله من الأتباع والأنصار ما شجعه على الخروج في وجه حكام بني أمية سنة128هـ , وهذا الشخص أصله من حضرموت تأثر بدعوة أبي حمزة الشاري فخرج على مروان بن محمد وأخذ حضرموت وصنعاء فسير إليه مروان بن محمد قائده عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي فدارت معركة أسفرت عن قتل طالب الحق سنة130هـ .
وقد ذهب بعض العلماء من الأباضية إلى تحديد الوقت الذي استعملت فيه تسمية الأباضية وأن ذلك كان في القرن الثالث الهجري وقبلها كانوا يسمون أنفسهم ( جماعة المسلمين ) أو ( أهل الدعوة ) ( أهل الاستقامة ) كما يذكر ابن خلفون من علمائهم . أجوبة ابن خلفون ص9 .
وقد ذهب ابن حزم إلى القول بأن الأباضية لا يعرفون ابن أباض وأنه شخص مجهول وهذا خطأ منه فإن ابن أباض شخص يعرفه الإباضيون ولهذا رد عليه ( علي يحيى معمر الأباضي) وذكر أن الأباضية يعرفون ابن أباض معرفة تامة ولا يتبرؤن منه .
ثانياً : هل الإباضية من الخوارج؟؟
اتفقت كلمة علماء الفرق - الأشعري فمن بعده - على عد الأباضية فرقة من فرق الخوارج وليس المخالفون للأباضية فقط هم الذين اعتبروهم في عداد الخوارج , وإنما بعض علماء الأباضية المتقدمون أيضا , إذ لا يوجد في كلامهم ما يدل على كراهيتهم لعد الأباضية فرقة من الخوارج .
ونذكر فيما يلي بعض النصوص من كلام علماء الأباضية حول الخوارج وبيان مدحهم للخوارج .
قال مؤلف كتاب الأديان وهو أباضي : ( الباب الخامس والأربعين في ذكر فرق الخوارج , وهم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب لما حكم ) ثم أخذ يذكر الخوارج في أكثر من موضع من هذا الكتاب على سبيل المدح قائلاً : هم أول من أنكر المنكر على من عمل به وأول من أبصر الفتنة وعابها على أهلها . لايخافون في الله لومة لائم قاتلوا أهل الفتنة حتى مضوا على الهدى ) الى أن يقول : ( وتتابعت الخوارج وافترقت الى ستة عشر فرقة ) . كتاب الأديان ص96.
ويقول نور الدين السالمي عن الخوارج : ( لما كثر بذل نفوسهم في رضى ربهم وكانوا يخرجون للجهاد طوائف سموا خوارج وهو جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج في سبيل الله , وكان اسم الخوارج في الزمان الاول مدحا لأنه جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل الله ) . انظر الاباضية بين الفرق الاسلامية ص384 .
ويقول صاحب كتاب ( وفاء الضمانة ) الأباضي : ( وكان الصفرية - احدى فرق الخوارج - مع أهل الحق منا في النهروان ) . وفاء الضمانة بأداء الامانة للعيزابي3/22.
موقف  الاباضية  من  عثمان  وعلي   رضي  الله  عنهما
من الأمور الغريبة جدا أن تجد ممن يدعي الإسلام ويؤمن بالله ورسوله من يقع في بغض الصحابة خصوصا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة وثبتت بذلك النصوص في حقه .
فعثمان رضي الله عنه صحابي جليل شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة , أما بالنسبة للخوارج فقد تبراوا منه ومن خلافته بل وحكموا عليه بالارتداد والعياذ بالله وحاشاه من ذلك . وفي كتاب كشف الغمة لمؤلف أباضي من السب والشتم لعثمان ما لا يوصف ولم يكتف بالسب والشتم وإنما اختلق روايات عن بعض الصحابة يسبون فيها عثمان بزعمه ويحكمون عليه بالكفر . كشف الغمة ص268 .
ولا شك ان هذا بهتان عظيم .
ويوجد كذلك كتاب في الأديان وكتاب آخر اسمه ( الدليل لأهل العقول ) للورجلاني فيهما أنواع من السباب والشتم لعثمان ومدح لمن قتلوه حيث سماهم ( فرقة أهل الاستقامة ) وهم في الحقيقة بغاة مارقون لااستقامة لهم إلا على ذلك .
وأما بالنسبة لموقفهم من علي رضي الله عنه :
فإنه يتضح موقفهم منه بما جاء في كتاب كشف الغمة تحت عنوان فصل من كتاب الكفاية قوله : فإن قال ماتقولون في علي بن أبي طالب , قلنا له أن علياً مع المسلمين في منزلة البراءة وذكر أسباباً - كلها كذب - توجب البراءة منه في زعم مؤلف هذا الكتاب منها حربه لأهل النهروان وهو تحامل يشهد بخارجيته المذمومة .
قال زعيم الأباضية عبدالله بن أباض نفسه في كتابه لعبد الملك عن معاوية ويزيد وعثمان كما يرويه صاحب كشف الغمة : ( فإنا نشهد الله وملائكته أنا براء منهم وأعداء لهم بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا نعيش على ذلك ماعشنا ونموت عليه إذا متنا ونبعث عليه إذا بعثنا نحاسب بذلك عند الله ) اهـ . وكفى بهذا خروجا .
وصاحب كتاب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة يشتم الحسن والحسين رضي الله عنهما وأوجب البراءة منهما بسبب ولايتهما لأبيهما على ظلمه وغشمه - كما يزعم - كذلك بسبب قتلهما عبدالرحمن بن ملجم وتسليمهما الإمامة لمعاوية .
ونفس الموقف الذي وقفه الخوارج عموماً والأباضية أيضاً من الصحابة السابقين وقفوه أيضاً من طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وأوجب لهما الورجلاني النار . انظر كشف الغمة ص304 , الدليل لأهل العقول ص28 .
وقد بشرهما الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة وهؤلاء الخوارج يوجبون عليهما النار فسبحان الله ما أجرأ أهل البدع والزيغ على شتم خيار الناس بعد نبيهم الذين نصروا الاسلام بأنفسهم وأموالهم وأولادهم ومات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لاتسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) . أخرجه مسلم7/188 .
وأنه لما يحار فيه الشخص هذا الموقف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإذا كان اخص أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم غير مرضين عند هذه الطوائف من خوارج وشيعة فمن المرضي بعد ذلك؟
عقائد الأباضية
إن الأباضية كغيرهم من أهل البدع لهم عقائد خالفوا فيها منهج أهل السنة والجماعة ووافقوا فيها من على شاكلتهم من المبتدعة الضلال .
صفات الله : أما مايتعلق بصفات الله تعالى فإن الأباضية انقسموا فيها فريقين .
فريق نفى الصفات نفياً تاماً خوفاً من التشبيه بزعمهم ,فهم كالجهمية في ذلك . وفريق منهم يرجعون الصفات إلى الذات فقالوا أن الله عالم بذاته وقادر بذاته وسميع بذاته إلخ . فالصفات عندهم عين الذات قال أحمد بن النضر من علمائهم :
وهو السميع بلا أداة تســمع      إلا بــقدره قادر وحــداني
وهو البصير بغير عين ركبت      في الرأس بالأجفان واللحظان
جل المهيمن عن مقال مكـيف      أو أن ينـــال دراكه بمكان
انظر كتاب الدعائم ص34 . ويقول السالمي :
  أسماؤه وصـــــفات الذات      ليس بغير الذات بل عينها فافهم ولا تحلا
وهو على العرش والأشيا استوى      وإذا عدلت فهو اســتواء غير ما عقلا
وإنما استوى ملــك ومــقدرة      له على كلها استيلاء وقـــــد عدلا
كما يقال استوى سلطانهم فعـلى      على البلاد فحاز الـــــسهل والجبلا
غاية المراد ص7. و قال العيزابي منهم : ( الحمد لله الذي استوى على العرش أي ملك الخلق واستولى عليه وإلا لزم التحيز وصفات الخلق ) . الحجة في بيان المحجة ص6,18.
وهذا في الحقيقة نفي للصفات ولكنه نفي مغطى بحيله إرجاعها الى الذات وعدم مشابهتها لصفات الخلق وقد شنع الورجلاني منهم على الذين يثبتون الصفات بأنهم مشبهة كعباد الأوثان وأن مذهب أهل السنة هو - حسب زعمه - تأويل الصفات فاليد النعمة والقدرة والوجه الذات ومجيء الله مجيء أمره لفصل القضاء لأن إثبات الصفات لله هو عين التشبيه كما يزعم .انظر الدليل لأهل العقول ص32 .
ومعلوم لطلاب الحق أن هذا ليس هو مذهب السلف الذين يثبتون الصفات لله كما وصف نفسه في كتابه الكريم ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل .
قال ابن تيمية ( رحمه الله ) في بيان مذهب السلف : أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل .
وطريقة السلف في اثبات كل صفة لله أنهم يقولون فيها أنها معلومة المعنى مجهولة الكيف والسؤال عن الكيف بدعة وان الله : ليس كمثله شيء وهو السميع العليم .
فالأباضية وافقوا أهل البدع في باب الأسماء والصفات .
استواء الله وعلوه : وأما عقيدة الاباضية في استواء الله وعلوه , فإنهم يزعمون أن الله يستحيل أن يكون مختصاً بجهة ما بل هو في كل مكان وهذا قول بالحلول وقول الغلاة الجهمية ولهذا فقد فسر الإباضية معنى استواء الله على عرشه باستواء أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه , وهذا تأويل المبتدعة من الجهمية وغيرهم .
رؤية الله : وذهبت الأباضية في باب رؤية الله تعالى إلى إنكار وقوعها لأن العقل - كما يزعمون - يحيل ذلك ويستبعده وانما هي عقولهم الفاسدة وأهواؤهم المضلة والعقل السليم لايخالف النص الصحيح ولكن العقل اذا انحرف عن منهج الله ضل وابتدع وسار بصاحبه الى الهاوية .
وليعلم أن مسألة رؤية الله يوم القيامة تعتبر عند السلف أمراً معلوماً من الدين بالضرورة لايماري فيها احد منهم بعد ثبوتها في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفي أقوال الصحابة رضي الله عنهم وفي اقوال علماء السلف قاطبة رحمهم الله تعالى ولم يخالف في ذلك الا المبتدعة من أمثال الأباضية وغيرهم .
كلام الله تعالى : ومن عقائد الأباضية في كلام الله تعالى القول بخلق القرآن بل حكم بعض علمائهم كابن جميع والورجلاني أن من لم يقل بخلق القرآن فليس منهم . انظر مقدمة التوحيد ص19 , والدليل لأهل العقول ص50 .
وقد عرف المسلمون أن القول بخلقه من أبطل الباطل إلا من بقي على القول بخلقه منهم وهم قلة شاذة بالنسبة لعامة المسلمين وموقف السلف واضح فيها وهو موقف إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وهو القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق تكلم الله به بطريقة لا نعلمها , وقد تواترت النصوص عن السلف رضي الله عنهم بأن القول بخلق القرآن كفر وضلال والعياذ بالله .
عذاب القبر : وقد أنكر بعض الاباضية عذاب القبر وأثبته بعضهم , قال النفوسي في متن النونية :
  و أما عذاب القبر ثبت جابر      و ضعفه بعض الأئمة بالوهن
انظر متن النونية ص27. ومعتقد السلف جميعاً هو القول بثبوت عذاب القبر ونعيمه كما صحت بذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة .
معتقدهم في الميزان : الميزان عند السلف والمسلمين والذي جاءت به النصوص أنه له كفتان حسيتان مشاهدتان توزن فيه أعمال العباد كما يوزن العامل نفسه , اما الاباضية فتنكر هذا الوصف ويثبتون وزن الله للنيات والأعمال بمعنى تمييزه بين الحسن منها والسيء وإن الله يفصل بين الناس في أمورهم ويقفون عند هذا الحد غير مثبتين ما جاءت به النصوص من وجود الموازين الحقيقية في يوم القيامة . انظر متن النونية للنفوسي ص25 .
الصراط : وكما أنكر الأباضية الميزان أنكروا كذلك الصراط وقالوا إنه ليس بجسر على ظهر جهنم. انظر غاية المراد ص9 , وذهب بعضهم وهم قلة الى اثبات الصراط .
والسلف على اعتقاد أن الصراط جسر جهنم وأن العباد يمرون عليه سرعة وبطئاً حسب أعمالهم ومنهم من تخطفه كلاليب النار فيهوى فيها .
الامام : والخوارج كافة ينظرون الى الامام نظرة حازمة هي الى الريبة منه أقرب ولهم شروط قاسية جداً قد لاتتوفر إلا في القليل النادر من الرجال وإذا صدر منه أي ذنب فإما أن يعتدل ويعلن توبته وإلا فالسيف جزاؤه العاجل .
التقية : وجوز الأباضية التقية كإخوانهم الرافضة , وقد أورد الربيع بن حبيب في مسنده روايات في الحث على التقية تحت عنوان : ( باب ماجاء في التقية ) . فلهم نصيب من مشابهة الروافض والله المستعان .
عقائد اخرى :
قال أبو الحسن الأشعري في المقالات : ( والإباضية يقولون إن جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه إيمان , وإن كل كبيرة فهي كفر نعمة , لا كفر شرك , وإن مرتكبي الكبائر في النار خالدون فيها .) اهـ انظر مقالات الاسلاميين1/189 .
وقال يزيد بن أنيسة زعيم اليزيدية من الأباضية : ( نتولى من شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من أهل الكتاب , وإن لم يدخلوا في دينه ولم يعملوا بشريعته , وزعم أنهم بذلك مؤمنون ) . اهـ انظر مقالات الاسلاميين1/184 .
وقال الأباضية جميعاً : ( إن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل , فإن تاب وإلا قتل , كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله أو فيما لايسع جهله ) . انظر مقالات الاسلاميين1/186 .
وقالوا : من زنى أو سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فإن تاب وإلا قتل .
وقالوا : الإصرار على أي ذنب كان كفر .
انظر مقالات الاسلاميين1/186,187 .
هذه جملة من عقائد الأباضية التي خالفوا فيها أهل الحق واستحلوا دماء مخالفيهم .
وللمزيد اذكر بعض المراجع التي بينت حقيقة دين الأباضية .
فرق معاصرة تنتسب الى الاسلام وبيان موقف الاسلام منها .ومنه نُقِلَ اغلب هذا البحث لمؤلفه غالب بن علي عواجي .
ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ( الخوارج والشيعة ) للدكتور احمد محمد جلي .
هذا ونسأل الله عز وجل أن يتقبل منا أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يجنبنا مضلات الفتن والأهواء .

0 مشاركات:

إرسال تعليق