1.7 مليون عامل شاركوا في 1900 إضراب في مصر

الاحتجاجات والاعتصامات أمام البرلمان اختبار للحكومة
القاهرة: مايكل سلاكمان*
يوما بعد يوم، ينظم مئات العمال من جميع أنحاء مصر المظاهرات والاعتصامات أمام البرلمان، مما حول الأرصفة في قلب العاصمة إلى ما يشبه معسكرات مؤقتة، وأربك جهود الحكومة لوضع حد لهذه الاحتجاجات.
في كل يوم تقريبا منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، دأب المتظاهرون على الإعلان عن مطالبهم أمام البرلمان أثناء النهار، ووضع الفراش للنوم على الرصيف أثناء الليل. لم تكن الحكومة وحلفاؤها قادرين على إسكات العمال، الذين يشعرون بالغضب بسبب مجموعة من القضايا، تشمل الأجور المنخفضة. وباستخدام قانون الطوارئ الذي يسمح باعتقال المواطنين من دون أي تهم ويحد من القدرة على تنظيم الاحتجاجات، عرقلت الحكومة المصرية والحزب الوطني الديمقراطي الحاكم لمدة عقود تطور حركة معارضة فعالة، فيما كانت تحتكر السلطة بجميع مستوياتها. والسؤال القائم، الذي يقول المحللون إن الحكومة تخافه، هو: هل سيربط العمال مشكلاتهم الاقتصادية بنظام الحكم القائم على الحزب الواحد وينظمون أنفسهم ليشكلوا قوة سياسية؟
وفي الأسبوع الحالي، في ظل البطاطين المكدسة وراءهم، كان ما لا يقل عن أربع جماعات مختلفة يضربون بقوة على الأواني والأوعية والزجاجات الفارغة ويهتفون بالشعارات. كان من بينهم عمال مصانع وعاملون بالحكومة وموظفون في إحدى شركات الهواتف وأناس معاقون. وقالت مجموعة المعاقين إنهم موجودون هنا في هذا المكان منذ 47 يوما، يطالبون بالوظائف والمسكن. وقال جمال الشرقاوي (42 عاما)، موظف بالحكومة «إذا حصلنا على حقوقنا، سنغادر المكان». وقال إنه و200 فرد غيره قضوا 22 يوما على الرصيف. وكان مطلبهم الوحيد هو رفع الأجور. ويتقاضى جمال ما يعادل 18 دولارا في الشهر، وفيما كان يكتنفه مزيج من اليأس والإصرار، قال «سنحصل على حقوقنا».
وفي حين يتم اتخاذ إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات السياسية، فإن نهج الحكومة في التعامل مع الاحتجاجات العمالية هو التفاوض، وعرض الزيادات في الرواتب ودفع الرواتب المتأخرة فقط لإبعاد العمال المتظاهرين عن الشارع. وكتب جويل بنين، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد والمؤلف الرئيسي لتقرير الحركة العمالية المصرية لصالح مركز التضامن، المجموعة التي تدافع عن حقوق العمال في واشنطن «الموجة الحالية من الاحتجاجات تأتي من أكبر الحركات الاجتماعية التي شهدتها مصر خلال أكثر من نصف قرن». وذكر التقرير أن 1.7 مليون عامل شاركوا في 1900 إضراب وأشكال أخرى من الاحتجاجات في الفترة من 2004 إلى 2008. وأشار المحللون إلى أن الحكومة عرفت مطالب العمال بأنها مطالب اقتصادية، آملة في أن يؤدي تحقيق بعض المطالب إلى فض هذه المظاهرات من دون إلقاء اللوم على المسؤولين ومن دون الحاجة إلى إضافة تعديل سياسي على قائمة أولوياتهم.
وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية «تدرك الحكومة المصرية أن أهم شيء بالنسبة لها هو ضمان ابتعاد هذه المظاهرات عن الانحياز إلى أقطاب المعارضة السياسية لأنها عندئذ لن تكتسب زخما». ودلل على ذلك بالقول إن «قادة الأجهزة الأمنية عقدوا مفاوضات بين المتظاهرين والحكومة، وعادة ما كانوا يضغطون على الوزراء لتلبية مطالب المتظاهرين. ويعتقدون أن هذه هي الطريقة التي يمكنهم من خلالها احتواء المظاهرات، لكن ما حدث هو أن العمال خرجوا منتصرين». وقد أدرك العمال أنهم إذا ما قاموا بالتظاهر داخل المصانع، كما اعتادوا دائما، فسوف يواجهون بقوة من قبل الشرطة، أما إذا أثاروا جلبة في شوارع القاهرة فسوف تخضع الحكومة. قام المتظاهرون المحاصرون بالحواجز والشرطة على مدار 24 ساعة بتحويل الرصيف إلى مكان دائم للاحتجاج، وقد قام كل قطاع من قطاعات الأعمال بتنظيم مظاهرة أمام المجلس، مثل محصلي الضرائب الذين امتد احتجاجهم لثلاثة أشهر، والفئة الوحيدة التي لم تتظاهر بعد هي قوات الأمن.
احتجاجات العمال وتداعياتها أصبحت موضوعا ساخنا بسبب انتخابات البرلمانية القادمة. كثافة المناقشات أذكاها محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأكثر خصوم الحكومة إشكالية، والذي ربط الكارثة الاقتصادية التي يعاني منها المصريون بغياب الديمقراطية والمحاسبة السياسية.
من جهته، قال محمد عبد الله، العضو البارز في الحزب الحاكم وعضو البرلمان منذ فترة بعيدة، إنه لم يخالجه أي قلق لأنه ينظر إلى المظاهرات باعتبارها مؤشرا إيجابيا على تطور المجتمع المدني المصري. وأضاف «يعني هذا أن المجتمع أصبح ديناميكية»، لكنه استطرد بأن بعض مطالب العمال لم تجر صياغتها على نحو ملائم. وقال «الناس يطالبون بما يرغبونه، ويرفعون أصواتهم بالمطالبة، وهذا مؤشر جيد».
بيد أن هناك مؤشرات أخرى توحي بأن لين القيادة حيال هذا الأمر بدأ في التلاشي. على سبيل المثال، دعا حسن نشأت القصاص، عضو البرلمان عن الحزب الحاكم، وزارة الداخلية، هذا الشهر، لإطلاق النار على المتظاهرين، حسبما أفادت تقارير إعلامية. وأوردت تقارير إعلامية قوله «بدلا من استخدام خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، ينبغي أن تطلق الشرطة النار عليهم، فهم يستحقون ذلك». في خطاب ألقاه السبت، احتفالا بعيد وطني، بدا الرئيس حسني مبارك مستجيبا للمتظاهرين. وفي الوقت الذي أصر فيه على أن البلاد قطعت شوطا كبيرا على الصعيد الاقتصادي، اعترف باستمرار مشكلات كبيرة وفقر، وهو اعتراف يعد بمثابة تنازل من قائد ظل في السلطة قرابة 30 عاما.
بعد ذلك، بدا أن مبارك يلمح إلى أنه لن يتساهل حيال مزيد من المظاهرات، حيث قال «إنني أرحب بصدق بالتفاعل داخل المجتمع ما دام يلتزم بالقانون والدستور، ويرمي لتحقيق مصلحة مصر. لكن هذا التفاعل لا ينبغي أن يتحول إلى صراع أو مواجهة، وعلينا أن نكون مدركين لهذا المنحى». لكن كلماته لم تترك أثرا في الشوارع خارج البرلمان، فبالقرب من المجلس الأعلى من البرلمان احتشد مئات الأشخاص وعمال بمجلس للنسيج حاملين نعشا قالوا إنه يمثل العامل المصري. من بين هؤلاء، خالد جراج (40 عاما)، أب لثلاثة أطفال صغار، قال إنه يعمل في مصنع أفلس ولم تعد لديه أموال لسداد راتبه البالغ 110 دولارات شهريا منذ ثلاثة شهور. وسارعت أميرة محمود (25 عاما) بالتحرك من مكانها على الرصيف لتشرح أنها ترغب في إيجاد حلول للمشكلات الجذرية التي تواجه العمال. وقالت «نريد حلا، وهو الديمقراطية».
إلا أنها أضافت أنها بحاجة أولا لبعض المال كي تتمكن من البقاء. وأضافت بينما أخذ حشد من الناس في التجمع حولها «ليست هناك أموال كافية، ليس هناك ما يكفي كي نعيش». ومن خلفها، صاح فؤاد وهبة (35 عاما) «سنموت. سنموت».
* أسهمت في هذا التقرير لورا كاسينوف أسهمت من القاهرة

0 مشاركات:

إرسال تعليق