موسوعة الىهود واليهودية عبد الوهاب المسيرى ج 1 lمقطع 1



موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية
للدكتور عبد الوهاب المسيري


مقدمة موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية"


تتناول هذه الموسوعة كل جوانب تاريخ العبرانيين فى العالم القديم، وتواريخ الجماعات اليهودية بامتداد بلدان العالم، وتعدادتها وتوزيعاتها، وسماتها الأساسية، وهياكلها التنظيمية، وعلاقات أفراد الجماعات اليهودية بالمجتمعات التى يوجدون فيها وبالدولة الصهيونية. وتغطى الموسوعة كذلك أشهر الأعلام من اليهود (مثل موسى بن ميمون) وغير اليهود ممن ارتبطت أسماؤهم بتواريخ الجماعات اليهودية (مثل نابليون وهتلر). كما تتناول هذه الموسوعة كل الجوانب المتعلقة بتاريخ اليهودية، وفرقها وكتبها الدينية، وطقوسها وشعائرها، وأزمتها فى العصر الحديث، وعلاقتها بالصهيونية وبمعاداة السامية (معاداة اليهود). وتغطى الموسوعة الحركة الصهيونية ونشاطاتها ومدارسها وأعلامها، وبعض الجوانب الأساسية للدولة الصهيونية.


وتهدف الموسوعة إلى توفير الحقائق التاريخية المعاصرة عن الظواهر اليهودية والصهيونية والإسرائيلية، وإلى تقديم رؤية جديدة للموضوعات التى تغطيها. وهى تحاول إنجاز ذلك من خلال عدة طرق:


1 - تقديم تاريخ عام للعقيدة والجماعات اليهودية وللحركة الصهيونية: تقدم الموسوعة رؤية تاريخية جديدة لكل من العقيدة والجماعات اليهودية والحركة الصهيونية أكثر علمية وحياداً وتفسيرية من تلك الرؤية الغربية التقليدية التى تبناها المؤلفون اليهود وغير اليهود فى الشرق والغرب، والمتأثرة بما يسمى "التاريخ المقدس" - أى التاريخ الذى ورد فى العهد القديم. والرؤية الجديدة تضع تواريخ الجماعات اليهودية فى أنحاء العالم فى إطار التاريخ الإنسانى العام. كما أن الموسوعة قامت بربط تاريخ الصهيونية، عقيدة وحركة وتنظيماً، بتاريخ الفكر الغربى والإمبريالية الغربية.


2- التعريف الدقيق للمفاهيم والمصطلحات السائدة، والتأريخ لها من منظور جديد، وإبراز جوانبها الإشكالية: فعلى سبيل المثال حينما تتعرض الموسوعة لظاهرة مثل يهود الاتحاد السوفيتى (سابقاً) فإنها تفعل ذلك من خلال عدة مداخل عن تاريخ اليهود وتوزيعهم الوظيفى وأعدادهم وأسباب هجراتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية فى كل من روسيا القيصرية وروسيا السوفيتية. كما توجد عدة مداخل أخرى عن أنواع يهود الاتحاد السوفيتى (قرائين - الكرمشاك - جورجيين - يهود البايشية - يهود الجبال - يهود بخارى … إلخ). وتضم الموسوعة أيضاً مداخل عن موقف ماركس وإنجلز والبلاشفة من المسألة اليهودية، وعلاقة اليهود بالفكر الاشتراكى وتطور الرأسمالية الغربية.


3- إسقاط المصطلحات المتحيزة وإحلال مصطلحات أكثر حياداً وتفسيرية محلها: تتسم المصطلحات المستخدمة لوصف الظاهرة اليهودية والصهيونية بأنها متحيزة لأقصى حد، وتجسد التحيزات الصهيونية والغربية. ولتجاوز هذا الوضع تم استبعاد مصطلح مثل "الشعب اليهودى" الذى يفترض أن اليهود يشكلون وحدة عرقية ودينية وحضارية متكاملة (الأمر الذى يتنافى مع الواقع)، وحل محله مصطلح "الجماعات اليهودية"، وبدلاً من كلمة "الشتات" استخدمت العبارة المحايدة "أنحاء العالم"، وبدلاً من "التاريخ اليهودى" تشير الموسوعة إلى "تواريخ الجماعات اليهودية". والمصطلحات البديلة ليست أكثر حياداً وحسب، وإنما أكثر دقة وتفسيرية.


ويمكن تلخيص هدف الموسوعة فى أنها محاولة تطوير خطاب تحليلى (مصطلحات ومفاهيم) لوصف الظاهرة اليهودية والصهيونية، وهو خطاب يسترجع البعد التاريخى لهذه الظاهرة، من حيث كونها ظاهرة تاريخية اجتماعية يمكن فهمها والتعامل معها.


وغنى عن القول أن موسوعة عربية عن الظواهر اليهودية أمر له أهمية بالغة بالنسبة للمتخصصين وغير المتخصصين فى هذا الحقل، أما بالنسبة للمتخصصين، فإن الموسوعة تحاول أن تضع إطاراً شاملاً وجديداً يمكن من خلاله دراسة اليهود واليهودية والصهيونية وإسرائيل. وعلى المستوى القومى، فإن هذه الموسوعة ستزود صانع القرار العربى، مهما كانت اتجاهاته السياسية، بقدر كبير من المعلومات اللازمة لاتخاذ أى قرار. كما أن العاملين فى مجالى السياسة والإعلام، وفى غيرهما من المجالات، سيجدون مرجعاً عربياً يزودهم بالمعلومات الضرورية عن اليهود واليهودية والصهيونية وإسرائيل. وسيستفيد من الموسوعة أيضاً المتخصصون فى الفروع الأخرى من المعرفة ممن يتصدون للظواهر اليهودية والصهيونية والإسرائيلية بالدراسة، كل فى حقل تخصصه.


وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية التي صدرت عام 1999 ، والتي نالت جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة للكتاب ذلك العام، هي من ضمن مساعي الدكتور المسيري العديدة الرامية إلى إلقاء الضوء على حقيقة الحركة والدولة الصهيونية (والعقيدة اليهودية والجماعات اليهودية في العالم). وقد استغرق إعدادها ما يزيد عن ربع قرن واشترك في هذه العملية عشرات الأفراد (مؤلفون - محرر فني - مساعدي باحث - سكرتارية - مكتب للترجمة العبرية - محرر لغوي - طابع على الكمبيوتر). وقد قام الدكتور المسيري بجهوده الذاتية بإعداد هذه الموسوعة والإنفاق عليها طيلة هذه الفترة.


وحينما عرف بأمر الموسوعة، قام "مائير كاهانا" (عضو الكنيست السابق ورئيس جماعة كاخ الصهيونية الإرهابية) بإرسال خطابات تهديد بالقتل لمؤلفها والمشرف عليها في يناير عام 1984، واعترف بإرسال الخطابات، في حديث مع جريدة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في عددها الصادر في 21 فبراير 1984. وبلغ عدد هذه الخطابات ثلاثة عشر خطاباً، أرسل ستة منها على عنوان الدكتور المسيري بالرياض (المملكة العربية السعودية) وأرسلت الستة الأخرى على عنوانه بالقاهرة، أما الخطاب الثالث عشر فقد أرسل له في القاهرة فور عودته من الرياض، جاء فيه أن مرسلي الخطاب يعلمون بأمر عودته، وأنهم "يعدون قبراً له". كما جاء في هذه الرسائل أنه إن لم يتوقف الدكتور المسيري عن نشاطاته المعادية للصهيونية (وأهم هذه النشاطات - بطبيعة الحال - هو تأليف الموسوعة) فستصل إليه الأيدي الصهيونية، وستقوم بتصفيته. وقد وضع الدكتور المسيري تحت حراسة سلطات الأمن المصرية، حمايةً له.


كما أرسلت جامعة بار إيلان خطاباً إلى الملحق الثقافي الإسرائيلي تطلب منه الكتابة إلى السفير الأمريكي لتشويه سمعة بعض الشخصيات المصرية المعادية للصهيونية ومن ضمنها الدكتور المسيري (نشرت جريدة العربي المصرية نص الخطاب في عددها الصادر بتاريخ 11 نوفمبر 1993).


تقع موسوعة فى ثمانية مجلدات، متوسط عدد صفحات كل منها 450 صفحة، ويتناول كل مجلد واحد منها موضوعاً محدداً. فالمجلد الأول يتناول الإطار النظرى للموسوعة وقضايا المنهج. أما المجلدات التالية (الثانى والثالث والرابع) فتتناول موضوع الجماعات اليهودية. ويتناول المجلد الخامس اليهودية، والمجلد السادس الصهيونية، والمجلد السابع إسرائيل.


ويضم كل مجلد عدة أجزاء، ويضم كل جزء عدة أبواب، ويضم كل باب عدة مداخل. وعدد مداخل الموسوعة حوالى 2300 مدخل. والموسوعة مرتبة موضوعياً، فعلى سبيل المثال يتناول المجلد الرابع تواريخ الجماعات اليهودية فى بلدان العالم الغربى ويضم 18 باباً يتناول كل باب منها تاريخ جماعة يهودية بعينها فى إحدى بلدان العالم الغربى (إنجلترا - ألمانيا - روسيا… الخ). ويضم باب إنجلترا ثلاثة مداخل (إنجلترا من العصور الوسطى حتى عصر النهضة - إنجلترا منذ عصر النهضة - إنجلترا فى الوقت الحاضر) تغطى موضوع تاريخ الجماعة اليهودية فى إنجلترا.


إلا أن الموسوعة لا تقتصر على التصنيف الموضوعى إذ يوجد فى المجلد الثامن فهرس ألفبائى عربى بكل مداخل الموسوعة. فإذا أراد القارئ أن يعرف شيئاً عن "إنجلترا من العصور الوسطى حتى عصر النهضة" فإنه سيذهب إلى حرف الألف حيث سيجد عنوان المدخل وبجواره رقم المجلد والصفحة.


وحتى نعطى القارئ فكرة عن مدى شمول الموسوعة فسنورد فى الصفحات التالية عناوين المجلدات والأجزاء والأبواب.




-----------------------------------------------------------------------------------------------
المحتويات:
المجلد الأول : الإطار النظري


الجزء الأول: إشكاليات نظرية
 1 ـ مقدمة.


2 ـ مفردات.


3 ـ فشل النموذج المادى في تفسير ظاهرة الإنسان.


4 ـ إشكاليات الإنساني والطبيعى والذاتى والجزئى والكلى.


الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية
1 ـ النماذج: سماتها وطريقة صياغتها.


2 ـ أنواع النماذج.


3 ـ النموذج الاختزالي والنموذج المركب.


الجزء الثالث: الحلول الكمونية الوحدانية
1 ـ الحلول ووحدة الوجود والكمونية.


2 ـ الحلول الكمونية الواحدية والعلمانية الشاملة.


الجزء الرابع: العلمانية الشاملة
1 ـ إشكالية تعريف العلمانية.


2 ـ اختلاط الحقل الدلالي لمصطلح ومفهوم (علمانية).


3 ـ نموذج تفسيري مركب وشامل للعلمانية.


4 ـ مصطلحات الواحدية والاستيعاب فيها.


5 ـ مصطلحات تشير إلى تفكيك الإنسان وتقويضه.


6 ـ مصطلحات جديدة لبلورة النموذج الكامن.


7 ـ الثنائية الصلبة والسيولة الشاملة وما بعد الحداثة.


8 ـ العلمانية الشاملة والإمبريالية.


9 ـ العلمانية الشاملة : تاريخ موجز وتعريف.


الجزء الخامس: الجماعات الوظيفية
1 ـ السمات الأساسية للجماعات الوظيفية.


2 ـ الجماعات الوظيفية والحلولية والعلمانية الشاملة.




المجلد الثاني :الجماعات اليهودية: إشكاليات


الجزء الأول: طبيعة اليهود في كل زمان ومكان
1 ـ إشكالية الجوهر اليهودي.


2 ـ إشكالية الوحدة والنفوذ اليهودي.


3 ـ إشكالية العبقرية والجريمة اليهودية.


4 ـ إشكالية العزلة والخصوصية اليهودية.


5 ـ منفي وعودة أم هجرات وانتشار؟


6 ـ هجرات وانتشار أعضاء الجماعات اليهودية.


الجزء الثاني: يهود أم جماعات يهودية؟
1 ـ الجماعات اليهودية الأساسية.


2 ـ الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية.


3 ـ إشكالية الهوية اليهودية.


4 ـ اليهود والجماعات اليهودية.


5 ـ إشكالية التعداد.


الجزء الثالث: يهود جماعات يهودية؟
1 ـ الجماعات الوظيفية اليهودية.


2 ـ الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية.


3 ـ أقنان ويهود البلاط.


4 ـ جماعات وظيفية أخرى (البغاء ـ الطب ـ الترجمة ـ الجاسوسية).


5 ـ مسألة الحدودية والهاشمية.


الجزء الرابع: عداء الأغيار الأزلي لليهود واليهودية
1 ـ إشكالية معاداة اليهود.


2 ـ بعض التجليات المتعينة لمعاداة اليهود.


3 ـ معاداة اليهود والتحيز لهم.


4 ـ الإبادة النازية والحضارة الغربية الحديثة.


5 ـ بعض إشكاليات الإبادة النازية ليهود أوربا.


6 ـ إشكالية التعاون بين بعض أعضاء الجماعات اليهودية والنازيين.




المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة


الجزء الأول: التحديث
1 ـ من التحديث إلى ما بعد الحداثة.


2 ـ العلمانية (والإمبريالية) واليهودية وأعضاء الجماعات اليهودية.


3 ـ التحديث وأعضاء الجماعات اليهودية.


4 ـ الإعتاق.


5 ـ الاستنارة اليهودية.


6 ـ الرأسمالية والجماعات اليهودية.


7 ـ رأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم (ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية).


8 ـ رأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة.


9ـ الاشتراكية والجماعات اليهودية.


الجزء الثاني: ثقافات أعضاء الجماعات اليهودية
1 ـ ثقافات الجماعات اليهودية (تعريف وإشكالية).


2 ـ فلكلور (طعام وأزياء) الجماعات اليهودية.


3 ـ الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية.


4 ـ إشكالية المتحف اليهودي.


5 ـ الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية.


6 ـ الكوميديا والسينما والجماعات اليهودية.


7 ـ الأدب اليهودي والصهيوني.


 8 ـ الآداب المكتوبة بالعبرية.


9 ـ الأدب اليديشي.


10 ـ لهجات أعضاء الجماعات اليهودية ولغاتهم.


11 ـ المفكرون من أعضاء الجماعات اليهودية.


12 ـ الفلاسفة من أعضاء الجماعات اليهودية.


13 ـ علماء الاجتماع من أعضاء الجماعات اليهودية.


14 ـ علماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية.


15 ـ التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية حتى العصر الحديث.


16 ـ التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في العصر الحديث.




المجلد الرابع :الجماعات اليهودية: تواريخ


الجزء الأول: تواريخ الجماعات اليهودية فى العالم القديم
1 ـ إشكالية التاريخ اليهودي.


2 ـ أشكال الإدارة الذاتية.


3 ـ مصر والإمبراطورية الحيثية.


4 ـ الشعوب السامية: الآشوريين والبابليون.


5 ـ الشعوب والأقوام السامية الأخرى.


6 ـ الحوريون والفلستيون.


7 ـ العبرانيون.


8 ـ عصر الآباء.


9 ـ التسلل أو الغزو العبرانى لكنعان.


10 ـ عصر القضاة.


11 ـ عبادة يسرائيل.


12 ـ الهيكل.


13 ـ المملكة العبرانية المتحدة.


14 ـ المملكة الجنوبية والمملكة الشمالية.


15 ـ التهجير الآشورى والبابلى.


16 ـ الفرس.


17 ـ اليونانيون.


18 ـ الرومان.


19 ـ التمردات اليهودية.


الجزء الثانى: تواريخ الجماعات اليهودية فى العالم الإسلامي
1 ـ الشرق الأدنى القديم قبل وبعد انتشار الإسلام.


2 ـ إسبانيا الإسلامية (الأندلس).


3 ـ الدولة العثمانية وفارس بعد انتشار الإسلام.


4 ـ العالم العربى منذ القرن التاسع عشر.


الجزء الثالث: تواريخ الجماعات اليهودية فى بلدان العالم الغربى
1 ـ الإقطاع الغربى وجذور المسألة اليهودية.


2 ـ الجيتو.
3 ـ الإمبراطورية البيزنطية المسيحية وإسبانيا المسيحية.


4 ـ فرنسا.


5 ـ إنجلترا.


6 ـ ألمانيا.


7 ـ النمسا وهولندا وإيطاليا.


8 ـ بولندا قبل التقسيم (ظهور يهود اليديشية).


9 ـ بولندا من التقسيم حتى الوقت الحاضر.


10 ـ روسيا القيصرية حتى عام 1885.


11 ـ روسيا القيصرية حتى اندلاع الثورة.


12 ـ الاتحاد السوفيتي.


13 ـ يهود اليديشية في أوكرانيا وجا ليشيا ورومانيا والمجر.


14 ـ أمريكا اللاتينية.


15 ـ جنوب أفريقيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.


16 ـ الولايات المتحدة حتى منتصف القرن التاسع عشر.


17 ـ الولايات المتحدة منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى عام 1971.


18 ـ اليهود الجدد أو الأمريكيون اليهود في الوقت الحاضر.






المجلد الخامس :اليهودية: المفاهيم والفرق


الجزء الأول: بعض الإشكاليات
1 ـ إشكالية التركيب الجيولوجي التراكمي والشريعة الشفوية.


2 ـ إشكالية الحلولية اليهودية.


3 ـ إشكالية علاقة الغنوصية باليهودية.


4 ـ إشكالية علاقة اليهودية بالصهيونية.


الجزء الثاني: المفاهيم والعقائد الأساسية
1 ـ الإله.


2 ـ الشعب المختار.


3 ـ الأرض.


4 ـ الكتب المقدسة والدينية.


5 ـ الأنبياء والنبوة.


6 ـ اليهودية الحاخامية (التلمودية).


7 ـ الفقهاء (الحاخامية).


8 ـ القبالاه.


9 ـ قبالاه الزوهار والقبالاه اللوريانية.


10 ـ السحر والقبالاه المسيحية.


11 ـ الشعائر.


12 ـ المعبد اليهودي.


13 ـ الحاخام (بمعنى "القائد الديني للجماعة اليهودية").


14 ـ الصلوات والأدعية.


15 ـ الأغيار والطهارة.


16 ـ الأسرة.


17 ـ التقويم اليهودي.


18 ـ الأعياد اليهودية.


19 ـ الفكر الأخروي.


20 ـ الماشيح والمشيحانية.


الجزء الثالث: الفرق الدينية اليهودية
1 ـ الفرق الدينية اليهودية (حتى القرن الأول الميلادي).


2 ـ اليهودية والإسلام.


3 ـ اليهودية والمسيحية.


4 ـ الحسيدية.


5 ـ اليهودية الإصلاحية.


6 ـ اليهودية الأرثوذكسية.


7 ـ اليهودية المحافظة.


8 ـ تجديد اليهودية وعلمنتها.


9 ـ اليهودية وأعضاء الجماعات اليهودية وما بعد الحداثة.


10 ـ اليهودية بين لاهوت موت الإله ولاهوت التحرير.


11 ـ العبادات الجديدة.


المجلد السادس :الصهيونية


الجزء الأول: إشكاليات وموضوعات أساسية
1 ـ التعريف بالصهيونية.


2 ـ التيارات الصهيونية.


3 ـ العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية.


4 ـ وضع العقد موضع التنفيذ.


5 ـ الصهيونية والعلمانية الشاملة.


6 ـ الخطاب الصهيوني المراوغ.


الجزء الثاني: تاريخ الصهيونية
1 ـ تاريخ الصهيونية.


2 ـ الإرهاصات اليهودية الأولى: حملات الفرنجة (الصليبيين).


3 ـ صهيونية غير اليهود المسيحية.


4 ـ صهيونية غير اليهود العلمانية.


5 ـ الصهيونية التوطينية.


6 ـ المؤسسات التوطينية.


7 ـ الصهيونية الاستيطانية (العملية).


8 ـ تيودور هرتزل.


9 ـ الصهيونية السياسية.


10 ـ الصهيونية العامة (أو الصهيونية العمومية).


11 ـ الصهيونية العمالية.


12 ـ الصهيونية الإثنية الدينية.


13 ـ الصهيونية الإثنية العلمانية.


14 ـ الصهيونية الإقليمية.


15 ـ الدولة مزدوجة القومية.


الجزء الثالث: المنظمة الصهيونية
1 ـ المنظمة الصهيونية العالمية.


2 ـ اللوبي اليهودي والصهيوني.


3 ـ الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة.


4 ـ الجباية الصهيونية.
الجزء الرابع: الصهيونية والجماعات اليهودية
1 ـ موقف الصهيونية وإسرائيل من الجماعات اليهودية في العالم.


2 ـ موقف الجماعات اليهودية من الصهيونية.


3 ـ الرفض اليهودي للصهيونية.


4 ـ شخصيات ومنظمات يهودية معادية للصهيونية.




المجلد السابع :إسرائيل: المستوطن الصهيوني


الجزء الأول: إشكالية التطبيع والدولة الوظيفية
1 ـ إشكالية التطبيع.


2 ـ الدولة الصهيونية الوظيفية.


الجزء الثاني: الدولة الاستيطانية الإحلالية
1 ـ الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.


2 ـ إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.


3 ـ التهجير (الترانسفير) والهجرة الاستيطانية.


4 ـ هجرة اليهود السوفيت.


الجزء الثالث: العنصرية والإرهاب الصهيونيان
1 ـ العنصرية الصهيونية.


2 ـ الإرهاب الصهيوني / الإسرائيلي حتى عام 1948.


3 ـ الإرهاب الصهيوني / الإسرائيلي منذ عام 1948.


الجزء الرابع: النظام الاستيطاني الصهيوني
1 ـ الاستيطان والاقتصاد.


2 ـ التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية ؟


3 ـ النظام السياسي الإسرائيلي.


4 ـ نظرية الأمن.


الجزء الخامس: أزمة الصهيونية والمسألة الإسرائيلية
1 ـ أزمة الصهيونية.


2 ـ الاستجابة الصهيونية / الإسرائيلية للأزمة.


3 ـ المسألة الإسرائيلية والحلول الصهيونية.


4 ـ المسألة الفلسطينية.
السيرة الذاتية لمؤلف الموسوعة (الدكتور/ عبد الوهاب المسيرى)


* ليسانس آداب ـ أدب إنجليزي ـ جامعة الإسكندرية (1959)


* ماجستير في الأدب الإنجليزي والمقارن ـ جامعة كولومبيا Columbia University ـ الولايات المتحدة الأمريكية (1964)


* دكتوراه في الأدب الإنجليزي والأمريكي والمقارن ـ جامعة رتجرز Rutgers University ـ الولايات المتحدة الأمريكية (1969)


* خبير الصهيونية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام (حتى عام 1975).


* عضو الوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم (حتى عام 1979).


* أستاذ بجامعة عين شمس وجامعة الملك سعود وجامعة الكويت (حتى عام 1989)


* أستاذ غير متفرغ بجامعة عين شمس (1989 ـ حتى الآن)


* المستشار الأكاديمي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي (1992 ـ حتى الآن).


* عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ـ واشنطن ـ الولايات المتحدة (1997 ـ حتى الآن)
* أستاذ زائر بجامعة ماليزيا الإسلامية فى كوالالامبور، وبعديد من الجامعات العربية وبأكاديمية ناصر العسكرية.


* صدر له العديد من الكتب من أهمها: نهاية التاريخ:مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيونى (1972) كتبه حينما كان يعمل رئيساً لوحدة الفكر الصهيونى وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، كما صدر له كتاب من جزأين بعنوان: الأيديولوجية الصهيونية، دراسة حالة فى علم اجتماع المعرفة (صدرت منه طبعة ثانية من جزء واحد عام (1988)، وقد وضع المؤلف عدة مؤلفات بالإنجليزية حينما كان يشغل منصب المستشار الثقافى للوفد الدائم للجامعة العربية لدى هيئة الأمم المتحدة (1975-1979)، من أهمها كتاب عن الصهيونية بعنوان أرض الوعد: نقد الصهيونية السياسية.


)قرر تدريسه فى عدد من الجامعات الأمريكية)، وكتاب أخر عن تطور العلاقة بين إسرائيل وجنوب أفريقيا )نشرت منه عدة طبعات بعدة لغات) كما صدر له كتاب ثالث (بالعربية) عنوانه: الفردوس الأرضى: دراسات وانطباعات عن الحضارة الأمريكية.


وفى السنوات الأخيرة صدرت للدكتور المسيرى عدة كتب من أهمها: الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية وهجرة اليهود السوفييت ، وقد نشرت له دار الشروق عام 1997 الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ، ومن هو اليهودى؟ كما نشرت له عام 1998 اليد الخفية، ونشر له مركز الدراسات المعرفية والمعهد العالمى للفكر الإسلامى بواشنطن والقاهرة كتاب إشكالية التحيز (سبعة مجلدات) من تأليفه وتحريره، وللدكتور المسيرى العديد من المقالات فى الجرائد والمجلات والحوليات، العربية والأجنبية، وقد قام الدكتور المسيرى بكتابة المداخل الخاصة بالصهيونية والانتفاضة فى عدد من الموسوعات والكتب والمراجع المتخصصة، وقد ترجمت بعض أعماله إلى الفارسية والتركية والبرتغالية والفرنسية، وللدكتور المسيرى اهتمام خاص بالنقد الأدبى وتاريخ الفكر والحضارة (بحكم تخصصه الأكاديمى)، فألقى العديد من المحاضرات عن هذه الموضوعات فى الجامعات والمؤتمرات العربية والغربية، كما نشر العديد من المقالات فى الجرائد والمجلات والحوليات العربية والأجنبية، وله عدة كتب فى الشعر الرومانتيكى الإنجليزى وشعر المقاومة الفلسطينى، ويكتب الدكتور المسيرى فى الوقت الحاضر سلسلة من القصص للأطفال تنشرها دار الشروق تحت عنوان حكايات هذا الزمان.




 المراجع والمرجعية


جرت العادة أن تضم قائمة المراجع الكتب التي استعان بها المؤلف في وضع بحثه أو مؤلفه، وخصوصاً تلك التي اقتبس منها بشكل مباشر. وهذا يدل على هيمنة النماذج التراكمية والمادية. فالمصادر التي لم نقتبس منها قد تكون أكثر أهمية من تلك التي نقتبس منها، وذلك إن أثَّرت في صياغة النموذج الإدراكي والتفسيري نفسه الذي يستخدمه الكاتب في طريقة رؤيته للظواهر، بينما نجد أن كثيراً من الكتب التي نقتبس منها هي مجرد مصدر للحقائق؛ مادة أرشيفية وحسب.


ويمكننا هنا أن نميِّز بين المراجع والمرجعية. فالمراجع تتناول الاقتباسات المباشرة أما المرجعية فتتناول جذور الفكر نفسه وتشكل النموذج التفسيري والتحليلي. وأعتقد أنه لابد أن يوجد ثبت بالمرجعية إلى جانب ثبت المراجع، تُدرج فيه أسماء الأساتذة والمؤلفين والشخصيات التي أثَّرت في الكاتب حتى لو لم يقتبس مباشرةً من كتاباتهم.


أ ) المرجعية:


من أهم مرجعياتي الأستاذ سعيد البسيوني (بالبنك الأهلي ) صديقي منذ الصبا، الذى ساهم في تدريبي على التفكير وعلى التعمق في الأمور وتجاوز السطح؛ والدكتور إميل جورج، مدرس الفلسفة بدمنهور الثانوية، والدكتورة نور شريف، رئيس قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بالإسكندرية؛ والدكتور محمد مصطفى بدوي، أستاذ بجامعة أوكسفورد، والأستاذ ديفيد وايمر، أستاذ الأدب الأمريكي بجامعة رتجرز؛ وليونيل تريلنج، الناقد الأمريكي المعروف والأستاذ بجامعة كولومبيا، والأستاذ كافين رايلى، المؤرخ الأمريكى وزميلى فى جامعة رتجرز.


ومن أهم الكتابات التي ساعدت على تشكيل مرجعيتي والمنهج التحليلي الذي أتبناه كتابات كارل ماركس الإنسانية وجورج لوكاتش وروجيه جارودي وماكس فيبر وبازل ويلي وإرفنج بابيت. وقد ساهمت كتابات أبراهام ماير، مؤلف كتاب المرآة والمصباح، وزيجمونت باومان، عالم الاجتماع، في تشكيل كثير من أفكاري ومقولاتي التحليلية. وفي الآونة الأخيرة قرأت أعمال رئيس البوسنة علي عزت بيجوفيتش ووجدت فيها فكراً عميقاً ومنهجاً واضحاً ساعدني كثيراً على تعميق فكري ومنهجي.


أما فيما يتصل بالشأن الصهيوني فلعل كتابات الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي عن اليهودية والصهيونية (وهو أستاذ ديانات مقارنة) هي التي بيَّنت لي الطريق لتجاوز السياسي وصولاً إلى المعرفي. وكان أسلوب معالجته للموضوعات مختلفاً تماماً عما كنت أقرؤه، فقد وضَّح لي كثيراً من الأبعاد الغامضة التي أخفقت كتب السرد التاريخي في توضيحها. وقد استفدت إلى حدٍّ كبير بكتابات حبيب قهوجي وبديعة أمين وأسعد رزوق، كما قرأت أعمال جمال حمدان وتأثرت بها بشكل عميق (كما بيَّنت في كتابى المعنون اليهود فى عقل هؤلاء والصادر عن دار المعارف عام 1998 ).


وغني عن القول أن المرجعية النهائية لهذه الموسوعة (وللمشرف علىها) هو ما أسميه «المرجعية المتجاوزة»، والإيمان بوحدانية الله وثنائية الوجود الإنساني (كما هو مبيَّن في المجلد الأول المعنون الإطار النظري).


ب) المراجع:


جرت العادة على ألا تورد الموسوعات بشكل عام، والموسوعات المتخصصة على وجه التحديد، قائمة بالمراجع التي استخدمها كاتب مدخل ما. ولعل هذا يعود إلى أن مراجع المداخل التي تدور حول موضوع ما ستكون في الغالب واحدة وهو ما يؤدي إلى التكرار. كما أن مراجع مدخل واحد قد تكون من الضخامة بحيث أن حجم الموسوعة يمكن أن يتضاعف نتيجة هذا.


ولأضرب مثلاً بالمداخل التي تغطي حروب الفرنجة (المجلد السادس المعنون «الصهيونية») وسأورد فيما يلي ثبت المراجع الخاص بهذه المداخل.


1 ـ المراجع العربية:


كتب:


الأسطل، كمال محمد، مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب: دراسة حول المشابهة التاريخية بين الغزوة الصليبية والغزوة الصهيونية. القاهرة، دار الموقف العربي، 1980.


أمين، بديعة، المشكلة اليهودية والحركة الصهيونية. بيروت، دار الطليعة 1974.


الخالدي، وليد وآخرون، القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني. الموصل، العراق. دار الكتب والنشر لجامعة الموصل واتحاد الجامعات العربية 1983، الفصول التالية:


دكتور شاكر مصطفى، "العرب والإسلام وفلسطين عبر التاريخ".


دكتور مروان بحيري، "اليهود في أوربا الغربية والشرقية ما بين 750 و1850"، "الحركة الصهيونية منذ نشأتها حتى نشوب الحرب العالمية الأولى".


قاسـم، قاسـم عبده، الخلفية الأيديولوجية للحروب الصليبية، دراسة في الحملة الأولى، 1095 ـ 1099 ـ الكويت، ذات السلاسل للطباعة والنشر، 1988.


دوريات:


المستقبل العربي، أغسطس 1987:


عاشور، سعيد عبد الفتاح، "ملامح المجتمع الصليبي في بلاد الشام".


قاسم، قاسم عبده، "الحروب الصليبية في الأدبيات العربية والأوربية واليهودية".


2 ـ المراجع الأجنبية:


كتب:


Bradford, Ernle, The Sword and the Samitar: The Saga of the Crusades. London, Victer Gallancz, 1974.


Cutler, Allan H and H. E. Cutler, The Jew as Ally of the Muslim: Medieval Roolts of Anlti-Semitism. Indiana, Uninversity of Notre Dame, 1986.


Erdman, Carl, The Origin of the Idea of the Crusade, translated from the German by Marshall W. Baldwrin and Walter Goffart. Princeton, Princeton Universsity Press, 1977.


Mayer, Hans Eberhard, The Csusades, translated by John Gillingham. Oxford Univessity Press, 1972.


Mc Gasry, Daniel D., Medieval History and Civiliztion. New York, Macmillan, 1976.


موسوعات ومعاجم:


Concise Dictionary of World History by Bruce Wettereau. New York, Macmillan, 1983.


Encyclopedia Britannica. Chicago, Encyclopedia Britannica, 1968.


Encyclopedia Judaica. Israel, Jesusalem, Keter Publishing, 1972.


Encyclopedia of Religion and Ethics. Edinblurgh, T and T Clark, 1938.


Encyclopedia of Jewish History: Events and Eras of the Jewish People, ed. Illana Shamir and Shlomo Shairt, Israel, Massada, 1986.


فإذا أضفنا إلى كل هذا التواريخ الأساسية للجماعات اليهودية مثل جرايتز وبارون وفنكلشتاين وبن ساسون وغيرهم، ثم المراجع الخاصة بالخلفية الأوربية والعربية الإسلامية لحروب الفرنجة لزاد ثبت المراجع صفحتين أو ثلاثة ولاقترب حجمه من حجم المداخل!


لكل هذا نجد أن كل الموسوعات لا تدرج المراجع التي استخدمها مؤلف المدخل، ويكتفي بعضها بإدراج قائمة ببعض المراجع المهمة تحت عنوان "لمزيد من الاطلاع" (بالإنجليزية: فور فيرذر ريدنج For Further Reading). وقد وجدنا أن ما يحتاجه القارئ العربي ليس مجرد ثبت عادي بالمراجع وإنما ثبت نقدي يلخص أطروحات الكتب والمقالات التي ترد عناوينها فيه ويبيِّن مواطن قوتها أو ضعفها والتحيزات الكامنة فيها. وهو جهد ضخم يقع خارج نطاق هذه الموسوعة.


وأحب أن أشير إلى أننا استفدنا في المجلد السابع الخاص بإسرائيل بكتاب دليل إسرائيل العام تحرير صبري جريس وأحمد خليفة (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1996)، وبكتابات الدكتور فضل النقيب.


المجلد الأول: الإطـار النظــرى


الجزء الأول: إشكاليات نظرية


الباب الأول: مقـدمة


بعض مواطن القصور فى الخطاب التحليلى العربى
قد يكون من المفيد أن نبيِّن بعض مواطن القصور الأساسية في الخطاب التحليلي العربي والغربي في حقل الدراسات اليهودية والصهيونية.


ولنبدأ أولاً باستبعاد بعض أشكال الخطاب من دائرة الخطاب التحليلي والتفسيري مثل الخطاب العملي (بشقيه التعبوي ـ الدعائي والقانوني) والخطاب الأخلاقي:


1 ـ الخطاب العملي: هو خطاب له أهداف عملية مثل تعبئة الجماهير أو الرأي العام، وهو لا يُعنَى كثيراً بقضية التفسير. ونحن نُقسِّم الخطاب العملي إلى قسمين: الخطاب العملي التعبوي والخطاب العملي القانوني.


أ) الخطاب العملي التعبوي: هو الخطاب الدعائي المحض الذي يتوجه، على سبيل المثال، إلى الرأي العام العالمي فيُوضِّح له أن "إسرائيل دولة معتدية" وأن "اللاجئين الفلسطينيين سُبة في جبين البشرية"، وأن "المستوطنين الصهاينة يستولون على الأراضي الفلسطينية دون وجه حق" وأنهم "عنصريون يعذبون النساء والأطفال"، وهكذا. ويمكن أن يتوجه الخطاب الدعائي نحو الداخل ليصبح خطاباً تعبوياً يهدف إلى تعبئة الجماهير ضد العدو الصهيوني وضد المؤامرة المستمرة (أو العكس الآن، إذ يمكن أن يقوم الخطاب التعبوي بالتبشير بالسلام). وغني عن القول أن مثل هذا الخطاب لا يفيد كثيراً في فَهْم ما يجري حولنا، فهو لا يكترث به أساساً. ونحن لا نقف ضد الدعاية أو التعبئة ولكن الهام أن نعرف أنهما أمران مختلفان عن التفسير.


ب) الخطاب العملي القانوني: ويمكن للخطاب العملي أن يكون قانونياً وتصبح القضية هي المرافعة لتوضيح الحق العربي والأساس القانوني له. والشكل الأساسي الذي يأخذه هذا الخطاب هو مراكمة قرارات هيئة الأمم المتحدة الواحد تلو الآخر في مجلدات ضخمة تُطبَع بعناية فائقة وتُوزَع على الهيئات والدول والمنظمات الدولية المعنية. ومثل هذا الخطاب لا يُعنَى كثيراً بتفسير أسباب الصراع أو بنيته أو طرق حله أو تصعيده أو إدارته. ولا شك في أن معرفة الإطار القانوني للصراع أمر مهم للغاية ولكنه يختلف تماماً عن عملية التفسير التي تنطوي على جهد أكثر تركيباً من مراكمة القوانين.


ومن الأشكال الأخرى للخطاب القانوني ما يُنشر من دراسات تحت شعار "من فمك ندينك يا إسرائيل". وهذه الدراسات تتكون عادةً من اقتباسات من كتابات بعض المؤلفين الإسرائيليين ومن أعضاء الجماعات اليهودية ينتقدون فيها اليهودية وأعضاء الجماعات اليهودية وإسرائيل. وتوضع الاقتباسات التي لا يربطها رابط، جنباً إلى جنب ثم تُقدَّم باعتبارها أدلة دامغة في المرافعة التي لا تنتهي ضد الصهيونية وإسرائيل وكل اليهود!


2 ـ الخطاب الأخلاقي: وهو الخطاب الذي يَصدُر عن قيم أخلاقية إنسانية ويحاول أن يحض على وضعها موضع التطبيق. ويمكن القول بأن ثمة نقط تشابه أساسية بين الخطابين الدعائي التعبوي والعملي القانوني من جهة والخطاب الأخلاقي من جهة أخرى، فجميعها ذات تَوجُه عملي غير تفسيري. فمقولات أخلاقية مثل الاعتدال والتسامح والإنصاف والخير ليست مقولات تحليلية أو تفسيرية، فهي تعبير عن حالات عقلية أو عاطفية وعن مواقف أخلاقية ولا علاقة لها ببنية الواقع المُركَّبة أو العملية التفسيرية. وهذه المقولات تجعل الباحث يُركِّز على الحالة العاطفية والعقلية للفاعل ويستبعد العناصر الأخرى، أو تجعله يُركِّز هو نفسه على إصدار الحكم الأخلاقي الصحيح على الأحداث بدلاً من دراسة بنية الواقع وآلياته وحركياته بهدف تفسيره. ولنأخذ قضية الاعتدال. يمكن القـول بأن الكــيان الصهيوني هو بنية عدوانية بغض النظر عن نية الفاعل الصهيوني ومواقفه الأخلاقية الفردية. فالمشروع الصهيوني هو مشروع يهدف إلى نقل كتلة بشرية من العالم الغربي إلى فلسطين بحيث تحل الكتلة البشـرية المُهجَّرة محــل سكان البلد الأصليين، بكل ما يَنتُج عن ذلك وبشكل حتمي من إحلال وطرد وإبادة. وهي نتائج تتجاوز نوايا العناصر البشرية الفردية المُشتركة في عملية النقل. ولكن هناك بعض الصهاينة المعتدلين، حسني النية والطوية، ممن تخلوا عن القيم الداروينية الشائعة. ولكنهم، رغم إنسانيتهم الحقة وأخلاقيتهم الواضحة، لم يستطيعوا أن يحققوا شيئاً بسبب طبيعة الصهيونية الاستيطانية الإحلالية. فتمسُّك هؤلاء بالقيم الأخلاقية النبيلة لا يَصلُح كثيراً لتفسير الظاهرة المركبة، لكن هذا لا يعني إسقاط نوايا الفاعل أو توجهه الأخلاقي، وخصوصاً إذا كانت هذه النوايا حقيقية، والمهم ألا نخلط بينها وبين بنية الصراع.


ولنضرب مثلاً آخر على عدم جدوى استخدام مقولة «الاعتدال» لتفسير الظواهر. فمن المعروف أن الاعتدال الصهيوني اختلف من جـيل إلى جيـل، حتى أن المعتدلين الآن (بعد تآكل العرب) هم في واقع الأمر متطرفو الأمس. ولذا، فإن طالب العرب (على سبيل المثال) بقبول قرار تقسيم فلسطين الصادر عام 1948 كأساس لحل القضية الفلسطينية عام 1996، أو حتى بالانسحاب لحدود عام 1967، فإن مثل هذه المطالب يُعتبَر تطرفاً وتشدداً وإرهاباً. ويُطلَب من العرب بعد ذلك أن يُظهروا شيئاً من التسامح وأن يتنازلوا عن أوطانهم حتى يمكن وصفهم بالاعتدال!


أما الإنصاف، فيمكن أن أضرب مثلاً على انعدام قيمته التفسيرية من كتاب صدر عن اليهود والماسون في مصر وحاول مؤلفه أن يكون "منصفاً"، فبيَّن أنه ليس كل اليهود ماسوناً وليس كل الماسون يهوداً، وأن هناك قيادات وطنية مصرية لا شبهة في وطنيتها انضمت للحركة الماسونية وهناك قيادات أخرى لم تنضم. وقد وثَّق المؤلفُ كل هذا بمادة أرشيفية ممتازة دون أن يُفسِّر لنا شيئاً عن الماسونية أو عن الظواهر التي أشار لها.


وقد ظهرت مؤخراً مصطلحات أخلاقية مثل «ثقافة السلام وثقافة الحرب» ليست لها قيمة تحليلية كبيرة، وهي مصطلحات تخلق الوهم بوجود شيء أخلاقي مطلق اسمه «السلام» مقابل شيء آخر لا أخلاقي مطلق يُسمَّى «الحرب» ولا يوجد أي منهما داخل أي سياق إنساني وتاريخي أو اجتماعي. وقد تمت تعبئة مصطلح «ثقافة السلام» بكل الإيحاءات الإيجابية الممكنة وأصبح الحديث عن "الحرب" مهما كانت أسبابها ومهما كانت الدوافع وراءهـا (مثل الحرب من أجل تحرير الأرض والذات على سبيل المثال) أمراً سلبياً وشكلاً من أشكال العنف. ونحن نطرح جنباً إلى جنب مع «ثقافة السلام والحرب» مصطلح «ثقافة العدل والظلم». ولذا يمكننا أن نتحدث عن «ثقافة السلام والعدل» مقابل «ثقافة الحرب والظلم». كما يمكن أن نتحدث عن «ثقافة السلام والظلم» وثقافة «الحرب والعدل». والهدف من كل هذا هو أن نبيِّن البُعد الأخلاقي لمثل هذه المصطلحات وأنها ليست، في واقع الأمر، مصطلحات وصفية وإنما هي مصطلحات وعظية وتعبوية، وأن نزيد من تركيبيتها ومقدرتها على التعامل مع واقع الإنسان المُركَّب.


ونحن لا نرفض القيم الأخلاقية وضرورتها للإنسان كإنسان، بل نرى أن التفسير لابد أن يُترجم نفسه في نهاية الأمر إلى فعل إنساني فاضل، بحيث يقف الإنسان وراء ما يُتصوَّر أنه إنساني وأخلاقي (المعروف)، ويقف ضد ما يُتصوَّر أنه غير إنساني وغير أخلاقي (المنكر). إلا أن مثل هذا الموقف الأخلاقي الإنساني، هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابد أن يسبقه إدراك كامل لطبيعة الموقف الأخلاقي وتحليل للواقع المتعيِّن بكل مكوناته وتركيبيته حتى يمكن فهمه قبل الحكم عليه.


ويمكننا الآن أن ننصرف إلى عيوب الخطاب التحليلي الذي يهدف إلى تفسير الواقع:


1 ـ ولنبدأ بأهم الأشياء، أعني المسلمات أو المقولات التحليلية الأساسية. فمن الواضح أن كثيراً من الدراسات العربية تبنت (عن وعي أو عن غير وعي) معظم أو كل المسلمات أو المقولات التحليلية الغربية التي تتعامل الحضارة الغربية من خلالها مع العقيدة اليهودية ومع أعضاء الجماعات اليهودية، وهي مقولات أو مسلمات في معظمها ذات أصل إنجيلي مثل «التاريخ اليهودي» و«الشعب اليهودي». وهذه المقولات الإنجيلية احتفظت ببنيتها الأساسية دون تغيير، حتى بعد أن تم علمنتها وتفريغها من القداسة والأبعاد الدينية، فاليهود لا يزالون (في الوجدان الغربي الحديث) كياناً مستقلاً يتحركون داخل تاريخهم المستقل. وبعد أن كانوا يهيمون في البرية ويصعدون إلى كنعان ويهبطون إلى مصر، أصبحوا الآن يهيمون في أنحاء العالم، وبخاصة العالم الغربي، متطلعين طيلة الوقت إلى الصعود إلى فلسطين. ومن ثم، يخلع الوجدان الغربي على اليهود التفرُّد باعتبارهم الشعب المختار، وينزع عنهم القداسة باعتبارهم قتلة الرب والشعب المنبوذ الذليل، ثم يُحيِّدهم تماماً باعتبارهم مادة استعمالية ليس لها أهمية خاصة.


وهذه البنية تشكل نموذجاً محدَّداً (صهيونياً معادياً لليهود في ذات الوقت)، فهي ترى اليهود باعتبارهم إما ملائكة رحيمة أو شياطين رجيمة، إما باعتبارهم مركز الكون فلا يمكن للتاريخ البشري التحرك بدونهم أو باعتبارهم مجرد أداة أو شيء هامشي لا أهمية له في ذاته على الإطلاق. ومن خلال هذا النموذج، تم استبعاد كم كبير من المعلومات أو تم تهميشه، كشيء ليست له أهمية كبيرة. فعداء بلفور لليهود هو حقيقة تُذكر ثم يطويها النسيان باعتبارها انحرافاً وشذوذاً. وصهيونية غير اليهود التي تمتد من عصر النهضة في الغرب حتى الوقت الحاضر والتي تسبق صهيونية اليهود، والتي اكتملت فيها ملامح الفكر الصهيوني، تُذْكَر هي الأخرى بشكل وثائقي وكأنها طُرفة دون أن تُعطَى المركزية التفسيرية التي تستحقها. ذلك لأن النموذج التفسيري الغربي يرى أن الصهـيونية هي حـركة يهودية، وأنها تنبع من صفحـات العهـد القــديم أو تطلعات اليهود الأزلية للعودة إلى صهيون.


2 ـ أدَّى هذا الخضوع لإمبريالية المقولات الغربية، وغيره من العناصر، إلى أن أصبح العقل العربي يميل هو الآخر إلى أن ينزَع اليهود من سياقهم الحضاري والتاريخي والإنساني المختلف والمتنوع ويُشيِّئهُم ويجردهم تماماً من إنسانيتهم المتعيِّنة، ومن هنا تم اختزال واقع الجماعات اليهودية المتنوع والثري وغير المتجانس إلى بُعد واحد أو اثنين أو إلى أطروحة واحدة بسيطة أو أطروحتين. ولذا، يسقط الخطاب التحليلي العربي أحياناً في النظر إلى الظواهر اليهودية كمعطى حسي مادي، كشيء لا تاريخ له ولا أبعاد مركبة معروفة أو مجهولة، ومن ثم يتم إهمال التاريخ كمصدر أساسي للمعرفة الإنسـانية وللأنماط المتكررة وللنماذج التفسـيرية التي تزودنا بمتتاليات نماذجية تفسيرية لفوضى الواقع وتفاصيله. وحينما يُستدعَى التاريخ، فإنه يُستدعَى بطريقة معلوماتية وثائقية، فيتم قتله أولاً ويتحول من بنَى مركبة حية إلى مادة أرشيفية (أو إلى شكل من أشكال الأنتيكة) ينقض عليها الباحث لينزع منها المعلومة الملائمة.


3 ـ ولكن الأهم من ذلك، حينما يُسقَط البُعد التاريخي والإنساني المركب للظواهر اليهودية، أن اليهود يتحولون إلى كل متماسك ويبدأ الباحث في التعامل مع اليهود ككل، اليهود في كل زمان ومكان، اليهود على وجه العموم. ومثل هذه المقولات غير التاريخية تؤدي إلى تأرجح شديد بين قطبين متنافرين:


أ ) النظر لليهود في كل زمان ومكان باعتبارهم كياناً فريداً ليس له نظير وله قانونه الخاص.


ب) النظر لهم باعتبارهم شيئاً عاماً لا يختلف عن الوحدات الأخرى المماثلة يسري عليها ما يسري على كل الظواهر الأخرى.


نتج عن هذا التأرجح اختلال في تحديد مستوى التعميم والتخصيص الملائم لدراسة الظاهرة. فهناك، من ناحية، الميل نحو التركيز على التفرُّد والخصوصية اليهودية والتفاصيل المتناثرة. ومن ناحية أخرى، هناك الميل نحو التركيز على ما هو عام جداً وتجاهل نتوء الظاهرة وخصوصيتها ومنحناها الخاص، ومحاولة تفسيرها في إطار القانون العـام الواحد الشـامل وكأنها سـطح أملس ليست له شخصية أو هوية. وهذا التأرجح يسم معظم النماذج التحليلية السائدة.


4 ـ من النتائج الأخرى لنزع الظواهر اليهودية من سياقها التاريخي الإنساني المركب أنها لم يَعُد يُنظَر لها باعتبارها ظواهر كلية مركبة لها تجلياتها على المستويات السياسية والاقتصادية والدينية والمعرفية، ولذا تم تسييس الخطاب التحليلي العربي بشكل متطرف، بحيث يُناقَش كل موضوع في إطار أبعاده السياسية والاقتصادية المباشرة وحسب، وتم استبعاد الأبعاد المعرفية (رؤية الصهاينة للكون ـ رؤية العالم الغربي لذاته ولليهود) التي لا يمكن فهم الأبعاد السياسية والاقتصادية حق الفهم بدونها. وبذلك، تم عزل هذه الظواهر عن كثير من السياقات الفكرية والدينية والحضارية، وتم اختزالها إلى بُعد واحد واضح وسهل ومباشر.


5 ـ ويرتبط بهذا عيب آخر هو أن "الفكر الصهيوني" ينحل في عقل كثير من الباحثين إلى "أفكار صهيونية"، أي مجموعة من الأفكار لا يربطها رابط وليست جزءاً من منظومة مترابطة متكاملة. وعملية التفتيت هذه تؤدي إلى مزيد من التسطح وتعوق عملية التفسير النقدية المتعمقة.


6 ـ ويرتبط كل هذا ببُعد آخر نطلق عليه «التطبيع المعرفي والتحليلي للظواهر الصهيونية» إذ يهمل كثير من الدارسـين خصـوصية الظاهرة الصهـيونية الإسرائيلية من حـيث هي ظـاهرة استيطانية إحلالية ذات ديباجات يهودية. ويتعامل هؤلاء الدارسون مع النظام الحزبي الإسرائيلي (على سبيل المثال) مثلما يتعاملون مع النظام الحزبي في إنجلترا أو فرنسا متجاهلين أن الأحزاب الإسرائيلية مُمثَلة في المنظمة الصهيونية العالمية وأن لها فروعاً في الخارج وأنها مُموَّلة من الخارج وأن لها نشاطات لا تقوم الأحزاب السياسية عادةً بمثلها. فالتطبيع هنا يعني تجاهل خصوصية الكيان الاستيطاني الصهيوني وإدراكه باعتباره كياناً سياسياً عادياً طبيعياً مثل الكيانات السياسية الأخرى.


7 ـ ويمكن أن أشير أيضاً إلى إهمال الخطاب التحليلي العربي لما أسميه «قضية المنظور» (الوعي ـ الدوافع ـ التوقعات) والمعنى، وهو الدلالة الداخلية التي يراها الإنسان فيما يقع له من أحداث وفيما يحيط به من ظواهر وفيما يقوم به من أفعال. فالإنسان ليس، مثل الحيوان، مجموعة من الخلايا والأعصاب والرغبات المادية، وسلوكه ليس مجرد أفعال وردود أفعال مشروطة بالبيئة المادية أو العضوية، فهو أكثر تركيباً من ذلك. فالمعنى الذي يُسقطه على الظواهر يحدد وعيه ودوافعه وتوقعاته. ولكل هذا، لا يمكن رصد الإنسان من الخارج كما يُرصد الدجاج أو النحل. وأعتقد أن كثيراً من الدراسات العربية تُسقط هذا البٌعد المهم للظاهرة الصهيونية، أي باعتبارها ظاهرة اجتماعية تاريخية إنسانية مركبة، وأن الصهاينة والإسرائيليين بشر لا يمكن رد سلوكهم‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ إلى مجموعة من العناصر والملابسات المادية، فدوافعهم وتوقعاتهم مرتبطة برؤيتهم. ولذا، نجد كثيراً مما كُتب عن إسرائيل يدور في إطار وهم الموضوعية المادية المتلقية، بحيث تتحول عملية رصد المجتمع الإسرائيلي إلى مجرد رصد براني للظواهر والتفاصيل المتفرقة لا يكترث بالوعي أو بالدوافع ويُسقط فكرة المعنى تماماً (أي المعنى الذي يخلعه الصهاينة على أفعالهم وأفعال الآخرين) ويتجاهل قضية التوقعات، فيأتي الحكم على مدى نجاح الظاهرة الصهيونية أو فشلها بمقاييس كمية خارجية عامة مثل «القوة العسكرية للمجتمع» و«مستوى التقدم الاقتصادي للمجتمع» و«معدلات الدخل المرتفعة للمواطن الإسرائيلي» و«مدى اتساع حدود الدولة الصهيونية أو ضيقها»، دون أن يؤخذ في الاعتبار إدراك المستوطنين الصهاينة أنفسهم لهذه الظواهر وكيفية استجابتهم وتفسيرهم لها، ودون تحديد لطبيعة توقعاتهم من مجتمعهم الصهيوني سواء من الناحية المادية أو من الناحية المعنوية.


8 ـ ويرتبط بقضية المنظور والدوافع والتوقعات والمعنى قضية حدود الآخر. فنحن، حينما ندرس الآخر، عادةً ما نسقط في عملية اختزالية:


أ ) نسقط فيما أسميه «النصوصية»، أي أن يفترض الباحث أن ما ورد في الكتب المقدَّسة لليهود يكفي أن يكون نموذجاً تفسيرياً لسلوك اليهود.


ب) عادةً ما نأخذ تصـريحات الإسـرائيليين باعتبـارها تعـبيراً عن دوافعهم وخططهم الحقيقية وليست مجرد مزاعم وآمال. ثم تتشيأ النصوص المقدَّسة والتصريحات وتتحول من الدوافع الكامنة، والمُخطَط المُبيَّت، لتصبح القوة الذاتية وأخيراً الواقع الموضوعي. وبذا، تتم المساواة بين الزعم والآمال وبين التوقعات والواقع. كل هذا يؤدي إلى إهمال حقيقة بديهية وهي أن الآخر قد يفشل في إدراك دوافعه الحقيقية (بسبب التزامه الأيديولوجي)، وأنه قد يعني ما يقول ويصدقه ولكنه مع هذا لا يعبِّر عن دوافعه الكامنة الحقيقية التي تحركه لأنه لا يستطيع أن يواجه نفسه. وهناك، إلى جانب ذلك، الادعاء الواعي إذ قد يكون من صالح الشخص أن يعلن مزاعمه ويخبئ دوافعه حتى يخدم مصلحته. فقد يزعم المهاجر اليهودي أنه هاجر بسبب رغبته اليهودية العارمة النبيلة في العودة إلى أرض الميعاد ليخبئ دوافعه الخسيسة في الهرب من البطالة والبحث عن الحراك الاجتماعي والحصول على الدعم الصهيوني السخي لمن يستوطن في صهيون. وقل نفـس الشـيء عن القـوة الذاتية. فمزاعم الآخر عن قوته قد تكون خاطئة تماماً وقد تكون تزييفاً واعياً. وحينما صرح الصهاينة أن عدد المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفيتي في موجة الهجرة الأخيرة سيصل إلى الملايين، فلعلهم كانوا مخلصين فيما يقولون ولكنهم فشلوا في تقييم موقف اليهود السوفييت وعوامل الطرد والجذب العامة والخاصة التي تتجاذبهم، ولعل آمالهم الأيديولوجية قد ضللتهم. وهناك احتمال أن يكون الصهاينة قد قاموا بتضليل الجميع عن عمد حتى يتم تخويف العرب (فيسرعوا إلى مائدة المفاوضات) وحتى تزيد الولايات المتحـدة (ومن ورائها يهود العـالم) من دعمها المادي والسـياسي. ومن المعروف أن الملايين المزعومة من المهاجرين لم تصل.


وقل نفس الشيء عن مخططات الاستيطان في الضفة الغربية التي كانت تطمح إلى توطين مئات الألوف (على أمل أن يصل عدد المسـتوطنين إلى ثلاثة أرباع المليون). وقد حرص الصهاينة على إعلان هذه المخططات على المـلأ. ولكن من المعروف أن هذه المخططات لم تتحقق. فلعل من أدلوا بهذه التصريحات لم يدركوا أن مصادر الهجرة اليهودية في العالم قد بدأت تجف، وأن يهود العالم مستقرون في بلادهم مندمجون فيها، وخصوصاً في العالم الغربي، وأن الولايات المتحدة تمثل نقطة الجذب الكبرى لمن يريد أن يهاجر منهم، وأن كل هذا يضع قيوداً بنيوية على تحقيق المخططات ويؤدي إلى إفشالها. ومن المحتمل أنهم كانوا مدركين تماماً لأبعاد الموقف وأصدروا التصريحات بهدف التخويف وجمع الأموال أيضاً.


ولذا، فإن من المهم بمكان أن نقرر ما إذا كان الزعم الصهيوني يُعبِّر عن آمال الصهاينة بإخلاص أم أنه ادعاء صهيوني كاذب وواع، فلو كان أملاً فسيؤثر في خطة عمل صهيونية، أما إذا كان ادعاءً واعياً أو أكذوبة فلابد أن يسقط من الاعتبار لأن الهدف منه هو تضليلنا. وعلينا بعد ذلك أن نقرر إن كانت الآمال تتطابق مع الواقع أم لا، ومدى إمكان تحقيقها، وذلك بدلاً من السقوط في قبضة تشيؤ المزاعم والتصريحات والنصوص المقدَّسة.


9 ـ لكل ما تَقدَّم، هيمن على الخطاب التحليلي العربي نموذج معلوماتي موضوعي متلقٍ وثائقي. فتُراكَم المعلومات والحقائق والأفكار والتصريحات والنصوص المقدَّسة وتُرص رصاً بغض النظر عن مدى أهميتها ومدى مركزيتها ومقدرتها التفسيرية. وهي عادةً حقائق لا يربطها رابط ولا تخضع لأي شكل من أشكال التحليل المتعمق إذ يأخذ التحليل شكل تحليل مضمون بدائي جداً يلجأ للتصنيف السطحي بناء على عدد الكلمات وتكرار الجُمل والموضوعات وذلك في إطار الأطروحات العامة المســيطرة. وبالتالي، تُجمَّد الظواهر والحقائق وتُعزَل عـن بعضـهـا البـعض وتُجرَد من تاريخـها وسياقها. ويكون الرصد رصداً لحقائق متفرقة، لا لأنماط متكررة، ومن ثم يمكن للباحث أن يفرض عليها أي معنى عام أو خاص يشاء، وإن قام بفرض نمط ما عليها فهو أطروحة اختزالية بسيطة. ويأخذ البحث العلمي شكل اختيار الحقائق التي يبرهن بها الباحث على البدهية الاختزالية الأولى التي بدأ بها (اليهود مصدر الشر ـ الصهيونية شكل من أشكال الإمبريالية) بدلاً من أن يكون عملية اكتشاف واختبار للأطروحات القائمة. وقد أصبح التصور العام الآن في العقل العربي أن التأليف هو التوثيق بغض النظر عن المقدرة التفسيرية للمسلمة التي تم توثيقها، وأصبح معيار الجودة والتميُّز هو كم المعلومات أو الحقائق التي أتى بها المؤلف، وكم المراجع التي أدرجها في ثبت المراجع، وتاريخ صدورها، فإن كانت حديثة كان هذا دليلاً قاطعاً على مدى جدية الباحث وإبداعه!


10 ـ ساد نموذج الهزيمة وتغلغل في الذات العربية، وأصبحت الهزيمة مترادفة مع الموضوعية المتلقية (التي تعني التجرد من الذات والذاكرة التاريخية والقيم الأخلاقية الخاصة والمثاليات والبطولة). وأصبح من البديهيات الموضوعية والمسلمات تَقَبُّل أطروحة أن العدو "متقدم" وأن قوته لا تُقهَر وأننا متخلفون وضعفنا واضح ونهائي. وفي هذا الإطار، أصبح من دلائل الموضوعية التنقيب بكل نشاط وشراهة عن القرائن والاستشهادات التي تُثبت هذا عملياً، فيبحث الدارسون عن مواطن القوة والتفوق في المجتمع الإسرائيلي دون أن يكلفوا خاطرهم مشقة التعمق وراء هذه الشواهد والقرائن ودون أن يبحثوا عن قرائن أخرى تدل على مواطن القوة في الذات وعن لحظات الانتصار.


وإن حدث العكس وقام باحث بإيضاح مواطن الضعف في العدو وبيَّن أن اليهود بشر يخضعون لما يخضع له كل البشر من أفراح وأتراح، ومن انتصار وانكسار، وأنهم ينضوون في إطار النماذج التفسيرية المتاحة في العلوم الإنسانية والاجتماعية ومن ثم يمكن تفسيرهم ومعرفة مواطن القوة وأسبابها ومواطن الضعف وأسبابها. إن حدث ذلك، فإن الجميع يتذمرون ويحتجون ويُلقون بالاتهام بعدم الموضوعية. بل يخلط البعض بين هذا التفسير المركب للموقف وبين الوهم الشائع عند البعض أن إسرائيل قد تنهار من الداخل من تلقاء نفسها.


ويمكننا إرجاع قصور الخطاب التحليلي العربي إلى عدة أسباب تنضوي كلها أو معظمها تحت سبب واحد وهو غياب النموذج التفسيري الاجتهادي المُركَّب الذي لا يتبنى المسلمات القائمة ولا يستبعد أياً من عناصر الواقع بقدر الإمكان ويسترجع الفاعل الإنساني ككيان مركب لا يمكن رده إلى عنصر مادي (أو روحي) واحد أو اثنين.


ولعل من الهام بمكان في هذه المرحلة أن ندرس الشأن اليهودي والصهيوني دون أن نسقط ضحية لإمبريالية المقولات ودون أن نجرد أعضاء الجماعات اليهودية من سياقاتهم التاريخية والاجتماعية ودون أن نتبنى تحيزات الآخرين سواء مع "اليهود" أو ضدهم، لقد حان الوقت أن ندرسهم من وجهة نظرنا وأن نخضع تحيزاتنا (ونماذجنا التحليلية) للاختبار المستمر لنرى مقدرتها التفسيرية بالمقارنة للنماذج التحليلية الأخرى. ولعل الموسوعة (دائرة المعارف) هي العمل الذي يعرض بشكل شامل رؤية مجتمع ما لظاهرة ما أو لمجموعة من الظواهر.


موسوعة (دائرة معارف)


«الموسوعة» يُطلَق عليها في الإنجليزية «أنسيكلوبيديا encyclopedia»، وهي كلمة مشتقة من اليونانية وتعني حرفياً «التعليم في دائرة»، أي «المنهج التعليمي الكامل». وعلى هذا فإنها تعني تقديم المعرفة بشكل منهجي من خلال دراسات يكتبها متخصصون، كلٌ في حقل تخصُّصه، تكون في العادة حسب تصنيف ألفبائي. وحينما استخدم فرانسوا رابليه (1490 ـ 1553) الكلمة لأول مرة في الفصل العشرين من بانتاجرويل Pantagruel، استخدمها بمعنى «تعليم». وكان أول من استخدمها بالمعنى الاصطلاحي للكلمة الكاتب الألماني بول سكاليش Paul Scalich حيث استخدمها كعنوان لموسوعته عام 1559. والموسوعات التي صدرت قبل ذلك التاريخ إما أنها كانت لا تصف نفسها بأنها «موسوعة» أو كانت تستخدم كلمة «معجم dictionary». وظلت الكلمة غير شائعة إلى أن استخدمها ديدرو في موسوعته. وحتى الآن، لا تزال بعض الموسوعات يُشار إليها بأنها «معجم» (وإن كان المعجم لا يُشار له بلفظ «موسوعة»). ويمكن أن تكون الموسوعة من جزء واحد، كما تُوجَد موسوعات من عشرات الأجزاء.


وتُعرَّف الموسوعة بأنها سجل للمعرفة الإنسانية في المستوى الذي وصلت إليه وقت ظهورها. ومهمة الموسوعة هي تلخيص ما تَوصَّل إليه المتخصصون إما في كل حقول المعرفة (إن كانت موسوعة عامة) أو في حقل من حقول المعرفة (إن كانت الموسوعة متخصصة)، أي أنها بهذا المعنى تتعامل مع علم مستقر ومصطلحات مستقرة ورؤى تم الإجماع عليها تقريباً من قبَل المتخصصين.


وفي اللغة العربية تُستخدَم كلمة «موسوعة» بهذا المعنى أحياناً، ولكن في أحيان أخرى تُستخدَم الكلمة للإشارة إلى أي كتاب كبير. كما يميل البعض للتمييز بين كلمتي «موسوعة» و«دائرة معارف»، ولكن ورد في المعجم الوسيط أن «دائرة المعارف» و«الموسوعة» تترادفان ويُقصد بهما: عمل يضم معلومات عن مختلف ميادين المعرفة أو عن ميدان خاص منها ويكون عادةً مرتباً ترتيباً هجائياً.


موسوعة اليهودية
يعود تاريخ أول موسوعة متخصصة في تراث أعضاء الجماعات اليهودية والعقيدة اليهودية إلى منتصف القرن الثامن عشر حين ظهر في مدينة فيرارا بإيطاليا عام 1750 أول جزء من موسوعة يهودية، جمعها وألفها طبيب يُدعَى إسحق بن صمويل لامبرونتي (وانتهى نشرها عام 1888) وتقع في ثلاثة عشر جزءاً. والموسوعة تعالج تراث اليهود وتاريخهم، ولكنها كانت تخلط بين التاريخ والتلمود ولا تفصل بين الواقع التاريخي والنصوص الدينية. ثم ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر موسوعة ألمانية متخصصة أخرى، جمعها وكتب مادتها جيكوب هامبرجر، كبير حاخامات إحدى الإمارات الألمانية. وكانت هذه الموسوعة، مثل سابقتها، ذات طابع ديني محض. ثم تتالت الموسوعات، فظهرت أول موسوعة عن اليهودية باللغة الإنجليزية في أوائل القرن الحالي (1901 ـ 1906)، وهي الموسوعة اليهودية ( ذا جويش أنسيكلوبيديا The Jewish Encyclopedia) التي تتألف من 12 جزءاً حررها أ. سنجر. أما الموسوعة اليهودية العالمية ( ذا يونيفرسال جويش أنسيكلوبيديا The Universal Jewish Encyclopedia )، فقد حررها إسحق لاندمان ونُشرت في نيويورك بين عامي 1939 و1943 وظهرت في عشرة أجزاء. ونُشرت موسوعة سيسل روث وجفري ويجودر في جزء واحد عام 1958، كما نُشرت منها عدة طبعات كان آخرها طبعة 1970.


وظهرت أول موسوعة متخصصة في الصهيونية وإسرائيل (دون تراث أعضاء الجماعات اليهودية) عام 1971 بعنوان موسوعة الصهيونية وإسرائيل ( ذا أنسيكلوبيديا أوف زايونيزم آند إسرائيل The Encyclopedia of Zionism and Israel )، وكُتبت تحت رعاية زلمان شـازار، أحد رؤساء الدولة الصهيونية السابقين. وظهرت منها طبعة جديدة مزيَّدة ومنقَّحة عام 1994 وحرَّرها ويجدور. وأخيراً، في عام 1972، ظهرت الموسوعة اليهودية ( أنسيكلوبيديا جودايكا Encyclopeia Judaica )، وهي أكبر عمل موسوعي حتى الآن يختص بتراث أعضاء الجماعات اليهودية بكل جوانبه، وضمن ذلك الصهيونية وإسرائيل، وتقع في 16 جزءاً. وهي تُعتبَر تلخيصاً لكل الدراسات السابقة وتصنيفاً لكل جوانب تراث أعضاء الجماعات اليهودية عقيدةً وتاريخاً، وتُصدر هذه الموسوعة كتاباً سنوياً يعمل على تزويد قارئ الموسوعة بالمعلومات الحديثة.


وابتداءً من عام 1935، ظهرت موسوعة عبرية تحت إشراف كلاوزنر في ستة أجزاء، وظهرت موسوعة عبرية أخرى بين عامي 1950 و1961 في ستة عشر جزءاً. ولكن أهم الموسوعات العبرية هي الموسـوعة العبرية التي صدرت في 31 جزءاً بين عامي 1941 و1971. وقد ظهرت موسوعات إنجيلية مختلفة ولكنها لا تهمنا كثيراً، لأننا في مجال دراستنا للصراع العربي الإسرائيلي لا نهتم باليهودية إلا كأحد عناصر هذا الصراع، والموسوعات الإنجيلية لا تهتم باليهودية إلا كدين وحسب. كما ظهرت موسوعة لشخص يُدعَى سيجيلا فيري تصفها المصادر اليهودية بأنها كُتبت تحت رعاية «المعادين للسامية». وإن صدق هذا القول، فإن مثل هذه الموسوعة لن تنفعنا كثيراً لأنها مليئة ولا شك بادعاءات عنصرية ولا تفيدنا من قريب أو بعيد في إدارة أي صراع أو في فهم أية ظاهرة، وهي في نهاية الأمر لم تُنشَر كاملة. والملاحَظ أن كل الموسوعات آنفة الذكر (باستثناء الموسوعات الإنجيلية وموسوعة فيري) قام بتأليفها باحثون يدينون باليهودية، بل الأهم من هذا أن معظمهم لهم ولاءات صهيونية (باستثناء محرري الموسوعة اليهودية الروسية التي نُشرت بين عامي 1906 و1913 في 16 جزءاً وحررها يهودا كاتزنلسون وسيمون دبنوف من منظور مؤيد لما يُسمَّى «قومية الدياسبورا»، كما يمكن القول بأن محرري موسوعة لاندمان لا يدينون بالولاء للصهيونية).


ومعظم ـ إن لم يكن كل ـ الموسوعات اليهودية التي صدرت بعد احتدام الصراع العربي الإسرائيلي قام بكتابتها يهود متحمسون للمشروع الصهيوني الاستيطاني. وقد كان لهذا الوضع أعمق الأثر في وجهات النظر التي تُبرزها هذه الموسوعات. ولتوضيح هذه النقطة سنضرب مثلاً بالموسوعة اليهودية الأخيرة باعتبار أنهـا أهم عمل موسوعي يختص بتراث الجماعات اليهودية والصهيونية وإسرائيل.


تذكر مقدمة هذه الموسوعة أن محررها هو سيسل روث المؤرخ اليهودي المعروف "بورعه وتقواه وتدينه العميق". وأنه استقر في إسرائيل بعد أن تقاعد من عمله الجامعي في وطنه الأصلي إنجلترا. وأنه قام بالتدريس في إسرائيل في جامعة بارإيلان الدينية حيث اتُهم، رغم ورعه وتقواه، بالانحراف عن الشريعة اليهودية، وأُصيب بنوبة قلبية فاستقال. وفي مجال تقديم روث للقارئ في الموسوعة اليهودية (جودايكا)، تذكر مقدمتها أن هذا العالم سافر ليلة الخامس من يونيه من نيويورك إلى القدس ليكون مع شعبه في إسرائيل، وأنه حينما وصل إلى القدس جلس في المخبأ طيلة هذه الليـلة. ثم تقول المقدمـة إن روث نظر من شـرفته ورأى المعارك التي أعادت القـدس لليهود بعد ألفـي عام.. وبعد أن سكتت المدافع ورأى الحجاج بالألـوف يحجون لحائط المبكى، أصر على أن يُلقي صلاة خاصة في هذه المناسبة، ثم ألقى خطاباً على العاملين معه في الموسوعة. وقد تكون هذه كلها أحداثاً شخصية لا علاقة لها بالعمل الموسوعي الضخم الذي يُعَدُّ الآن أكبر مصدر مُعتَمد للمعلومات في العالم عن اليهودية واليهود والصهيونية. وقد يُقال إن ولاءات روث الدينية وحتى السياسية لا علاقة لها بالعمل الذي قام به، ولكن كاتب مقدمة الموسوعة اليهودية لا يترك لنا أية فرصة للتخمين أو المناورة من أجله، فهو يؤكد بما لا يقبل الشك أن رؤية روث لحرب 1967 جعلته يضيف بُعداً آخر للأحداث العظيمة التي كانت تتكشف أمامه. وقد كتب روث نفسه في مذكراته قائلاً: "إن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط ـ والتي تُوجت بالنصر الإسرائيلي المدهش ـ قد جعلت كل المراجع السابقة غير متطابقة مع الواقع ولهذا السبب أصبح نشر الموسوعة اليهودية أمراً ملحاً أكثر من ذي قبل"، أي أن انتصارات إسرائيل العسكرية قد عدلت رؤيته التاريخية (ولروث كتاب عنوانه تاريخ اليهود منذ ميلاد يسرائيل حتى حرب الأيام الستة).


وقد يُقال إن هذا التحيز أمر يختص بسيسل روث وحده دون بقية الكُتَّاب المشتركين في الموسوعة. ولكن، مرة أخرى، حينما يفتح القارئ أول صفحة في أول مجلد من الموسوعة يفاجأ بالجملة التالية: "لقد حشد روث جيشاً جراراً من المحررين والمؤلفين من بين أحسن العلماء اليهود في العالم"، كما نكتشف أن الموسوعة اليهودية (جودايكا) تُوصَف بأنها أعظم "عمل أدبي يهودي" في هذا القرن! ولكن بأي معنى من المعاني يمكن أن تُوصَف موسوعة بأنها "عمل يهودي"؟ ولم كان من الضروري أن يكتبها «يهود» وليس أي علماء متخصصين؟ هل اليهودية منهج في البحث ورؤية للتاريخ أم عقيـدة دينية وانتماء أخلاقي؟ وحتى إذ افترضنا أنها منهج في البحث وعقيـدة دينية تشكل رؤية صاحبها، ألم يكن من الضروري أن يُبيِّن لنا الكاتب كيف توصَّل المحرر للإطار النظري لموسوعته من خلال عقيدته؟ وهل يَفضُل هذا المنهج المناهج الأخرى؟ ولكن بدلاً من ذلك، تظهر العبارة التالية في المقدمة: "هذه المفاهيم ـ حب يسرائيل، ومركزية القدس، وفهم رسالة الشعب اليهودي ـ هي مفاهيم كلها أساسية بالنسبة لروث وتتضح كلها في صفحات الموسوعة"، أي أننا أمام عمل دعائي يستخدم لغة البحث العلمي وأساليبه ومناهجه نشره ناشر إسرائيلي في القدس المحتلة. ولذا، لابد أن نكون واعين تمام الوعي بأثر هذا الحب وهذه المركزية على ما يكتبون وعلى ما يقدمون للقارئ.


ومن الأمـور المثيرة للدهشـة حقاً، أنه بعد مرور ما يقرب من خمسين عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي الرسمي، وما يزيد على مائة عام من الصراع التاريخي، لم يَصدُر حتى الآن معجم عربي واحد يُعرِّف مصطلحات هذا الصراع ويُفسِّر مفاهيمه، وبالذات المصطلحات والمفاهيم الخاصة بالعدو، سواء من ناحية وضعه التاريخي أو من ناحية رؤيته لنفسـه. (ظهرت الموسوعة الفلسطينية من 4 أجزاء، ثم ظهرت سـتة أجزاء أخرى ولكنها «موسـوعة فلسطينية»، أي أن الجانب الصهيوني هامشي، أما فيما يختص بالعقيدة وبالجماعات اليهودية فلا توجد سوى إشارات هنا وهناك). وقد نجم عن هذا الوضع أن كل باحث عربي لا يزال يتعيَّن عليه أن يبدأ دائماً من نقطة الصفر، ولا يزال يتعيَّن عليه أن يُعرِّف كل المصطلحات التي يستخدمها. ولذا، فإن الدراسات العربية للصراع تمتلئ بتعريفات مبدئية عن «اليشوف»، و«التلمود»، فماذا تعني عبارة مثل «الشعب المختار» مثلاً؟ وقد أدَّى هذا إلى تكرار الجهد وإضاعته، وانخفاض مستوى البحث، لأن الباحث، شاء أم أبى، يجد نفسه مضطراً إلى افتراض أن قارئه لا يزال عند نقطة الصفر.


ولكن الأخطر من هذا أن غياب «معجم عربي» اضطر الباحث العربي إلى أن يعود باستمرار إلى المصادر الصهيـونية التي قد تعطيه كمية هائلة من المعلومات هـي، في نهاية الأمر، متحيِّزة ومُوجَّهة وموظَّفة في خدمة هدف معيَّن. ولذا، يظل الباحث العربي دائماً تحت رحمة المصادر الصهيونية ومقولاتها التحليلية التي لا تكشف له من الظاهرة إلا تلك الجوانب التي يهمها كشفها، حاجبةً عنه كل الجوانب الأخرى.


وحتى عندما تكشف المراجع الصهيونية عن كل جوانب الظاهرة أو الواقعة، فهي تفعل ذلك بعد تفتيتها إلى عناصر متفرقة متناثرة، وهو ما يُحوِّل الظاهرة إلى كم غير متحدد، ليس له مضمون معيَّن، يَصعُب الكشف عن مدلوله الحقيقي. وقد نجم عن كل هذا أن كماً هائلاً من المفاهيم والمصطلحات الصهيونية تسرب إلى عقولنا ولغتنا دون أن ندري.

0 مشاركات:

إرسال تعليق