إنما أبحث عن إنسان!

إنما أبحث عن إنسان!
في تاريخ الفلسفة اليونانية ومنذ 25 قرنا اعتادت مدينة أثينا على رؤية رجل حافي القدمين عاريا إلا قليلا وفي يده مصباح في وضح النهار.. لماذا؟! كان يقول: «إنني أبحث عن إنسان!».
كأن ضوء الشمس لا يكفي فأضاف إليه مصباحا، هو نور العقل أو هو البصيرة. مات هذا الفيلسوف ديوجانس وبقي المصباح يتداوله المفكرون في الأديان والفلسفة والاقتصاد والسياسة.. كلهم يبحثون عن الإنسان.. وتمددت معاني الإنسان بتعدد المذاهب والأديان والنظم السياسية!
وحدثت نقطة تحول خطيرة؛ عندما ظهرت المذاهب الشمولية: الشيوعية والنازية والفاشية، التي ترى الإنسان لا قيمة له إلا إذا كان عضوا في حزب أو في نقابة، وخارج الحزب لا قيمة له، وإذا دخل الحزب نزل عن حريته، أي نزل عن نفسه.. عن وجوده؛ «لأنني أساوي حريتي بأن أقول لا ونعم وأن أختار..»، أما في النظم الشمولية فالدولة هي التي تتولى كل شيء نيابة عن المواطن.
وعلقت النظم الشمولية نفس العبارة التي وضعها الشاعر الإيطالي دانتي على باب جهنم: «أيها الداخلون اتركوا وراءكم كل أمل في النجاة!».
ما دام قد دخل الحزب فلا دخول ولا خروج ولا حياة له.
- لأنه بلا حرية.
ولعلنا نذكر منظرا في أحد أفلام شارلي شابلن لعامل يدق مسمارا. إنه يفعل ذلك لأنه يعمل في جهاز كبير، ولا يستطيع أن يفتح دكانا من أجل أن يدق مسمارا، وإنما لا بد من جهاز كبير لكي يتمكن من أن يعيش يدق مسمارا.
وجاءت الفلسفات الوجودية بعد الحرب العالمية الثانية ترد اعتبار الإنسان وترفع من قيمة الفرد وحريته. وكما بالغت النظم الشمولية في قوتها وضعف الإنسان، بالغت المذاهب الوجودية في قيمة الفرد وهونت من قيمة المجتمع..
ولا يزالون يتبادلون مصباح ديوجانس. ومن هو الإنسان بعد كل ذلك؟

0 مشاركات:

إرسال تعليق